حامد مرسي:
قال تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين:(حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) (البقرة ـ 238)، أمرنا الله بالمحافظة على جميع الصلوات وأدائها في أوقاتها مستوفية الشروط والأركان والسنن والآداب، وخاصة الصلاة الوسطى وهذا من عطف الخاص على العام للإهتمام به نظيره يقول تعالى في سورة القدر:(تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) (القدر ـ 4)، فعطفت جبريل على الملائكة وإن كان واحدًا منهم يدل على فضله والصلاة الوسطى، قال العلماء فيها كلامًا كثيرًا، فمنهم من يقول أنها صلاة الصبح، ومنهم من قال أنها صلاة الظهر، ومنهم من قال أنها صلاة العصر، وهذا هو الأرجح، فإنّ وقت العصر تنزل الملائكة لتسليم وتؤخذ سجل أعمال العباد فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم عن عباده فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، ومنزلة الصلاة في الإسلام عظيمة جدًّا ومنها أنها هى والعبادات الأخرى مثل الصيام والزكاة وقراءة القرآن وفعل الخيرات تدافع عن الإنسان في القبر، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(إذا وضع ابن آدم في القبر وانفض الناس من حوله وجاءه الملكان السائلان جلست الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن شماله وفعل الخيرات عند قدميه والقرآن يطوف حوله كما تطوف الكواكب الدرية في السماء، فإذا ما أراد الملكان أن يقعداه من عند رأسه هبت الصلاة قائلة لا تقلقاه من جهتي فكثيرًا ما وضع جبينه ساجدًا لله، وإذا ما جاءه الملكان من جهة اليمين قالت الزكاة استحلفكما بالله لا تقلقاه من جهتي فكثيرًا ما تصدق إبتغاء مرضاة الله، وإذا أتاه الملكان من جهة الشمال يكون الصيام شفيعًا له وكذلك فعل الخيرات والقرآن يطوف حول البدن فينادي الملكان على ابن آدم نداء رقيقًا يا عبد الله قم للسؤال فينظر العبد فيرى كأن الشمس عند غروبها فيقول لهما: دعاني حتى أصل العصر يظن نفسه في دار الدنيا إنها الصلاة الوسطى فيقول الملكان له: عشت حريصًا على الصلاة ومت حريصًا على الصلاة أبشر بجنة عرضها السماوات والأرض ثم يفرش له القبر من حرير، وسائل يسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما خير البقاع في الأرض يا رسول الله؟ فيقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(لا أدري حتى أسأل رب العزة، فسأل جبريل (عليه السلام)، ولما سأله قال جبريل: لا أدري حتى أسأل رب العزة، فسأل جبريل (عليه السلام) رب العزة وهبط بالإجابة، وقال: يا رسول الله السلام يقرئك السلام ويقول: لك خير البقاع في الأرض المساجد وخير أهلها أولهم دخولًا وآخرهم خروجًا، ومن منزلة الصلاة أنها تنهي عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى:(وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر)، وإقامة الصلاة هى المحافظة عليها مستوفية الشروط والسنن والآداب والواجبات، وهناك فرق بين إقامة الصلاة وأداء الصلاة وبين أن إقامة الصلاة تكون مستوفية الشروط والسنن والآداب والواجبات بخلاف أداء الصلاة فهي تؤدى بدون هذه الشروط ولذلك قال الله تعالى:(وأقم الصلاة) ولم يقل:(وأدي الصلاة) حتى يؤديها المسلم بشروطها وآدابها وسننها وواجباتها فهى تنهي الإنسان وتبعده عن كل الفواحش والمنكرات وتمنعه من كل المعاصي وأنها تبعده عن الرذائل وتطهره من سوء القول وأنها تنور للإنسان النور المعنوي فتهديه إلى الصواب، كما أن النور الحسي ينور للإنسان فلا يصطدم بأشياء أقوى منه فتحطمه أو أشياء أضعف منه فيحطمها، فعن عمران بن حصين قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن قوله تعالى:(إنّ الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له)، وعن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدًا)، وقال أبو العالية: إن الصلاة فيها ثلاث خصال: الإخلاص والخشية وذكر الله، فالإخلاص يأمره بالمعروف والخشية تنهاه عن المنكر وذكر الله القرآن يأمره وينهاه فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخصال فليست بصلاة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا).

إن الناظر في هذا الحديث أحباب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يجد أن الصوم والحمد لله يحافظ عليه الأكثر والحج كذلك، وإذا نظرنا في الأركان الثلاثة الأخرى شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة نجد أن الخلل والضياع قد حدث من كثير من المسلمين لهذه الأركان، وكثيرًا من المسلمين الذين يقولون لا إله إلا الله ويصومون ويحجون قد ضيعوا الصلاة، فالصلاة أصبحت فريضة غائبة من حياة المسلمين، ومن منزلة الصلاة أنها تفردت بأنها كانت من الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) مباشرة في ليلة الإسراء والمعراج ولم تكن بواسطة جبريل (عليه السلام) لما عرج برسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى إلى ما بعدها إلى مكان لم يرتقي إليه أحد قبله ولا بعده، وخاطب الله رسوله مباشرة ومشافهة، قال: فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة في اليوم والليلة، وما زال يتردد بين ربه وموسى (عليه السلام) حتى صارت الصلاة خمسة في العمل وخمسين في الأجر والثواب، وسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الله تعالى يقول:(أمضيت فريضتي وخففت على عبادي ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد خمسة في العمل وخمسين في الأجر والثواب) .. هذا والله أعلم.
* إمام مسجد بني تميم بعبري