محمود عدلي الشريف:
إخوة التوحيد والهدى: لا نزال في بدايات سلسلة (مقتنيات رسولنا الكريم ـ عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم ـ وممتلكاته) .. واليوم نتشرف بالنظر إلى يد رسولنا الكريم ـ عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم ـ لنرى خاتمه يزداد تلألؤًا ليس من جماله وحسب، بل من تلألؤ ونور من يلبسه ـ فداه نفسي وما أملك ـ فصلوا عليه وزيدوا من الصلاة عليه، فـعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) (سنن الترمذي، ت: شاكر 2/ 355).

وهيا بنا ونحن نكرر الصلاة والتسليم على حبيب القلوب محمد (صلى الله عليه وسلم)، نشاهد ما يلبس من خاتم في يده الشريفة .. وبادئ ذي بدي ـ إخوة الإيمان ـ وكالعادة يبادرنا سؤال يفرض علينا نفسه قائلًا: ما معنى خاتم؟ ولِمَ سُمّي بذلك؟ وما تاريخه؟، وهل مقتصر على النساء .. أم أنه سمة من سمات الرجال أيضًا؟ فأما عن معناه: ففي (القاموس المحيط، ص: 1099):(خَتَمَهُ يَخْتِمُهُ خَتْمَاً وخِتاما: طَبَعَهُ، والجمع: خَواتِمُ وخواتِيمُ)، وفي (تاج العروس، 32/ 44): قال ابن سيده: هو من الحلي كأنه أول وهلة ختم به فدخل بذلك في باب الطابع، ثم كثر استعماله لذلك وإن أعد الخاتم لغير الطبع، قال الفراء: والخاتم والختام متقاربان في المعنى، ومنه قراءة علي ـ رضي الله عنه:(خاتَمه مسك)، وأما عن اسمه فسُمّي خاتمًا:(قالوا الخاتم حلقة ذات فص تلبس فِي الْأصْبع من غيرها فإن لم يكن لها فهي فتخة) (المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 1/ 163)، لأن خاتم الكتاب سمّى خاتمًا لصيانته الكتاب ومنع الناظرين من معرفة ما فيه، فالخاتم في هذا منزلة هذا، كتاب (الغريبين في القرآن والحديث محمد الهروي 2/ 532). وفي (لسان العرب (12/16):(الخاتَمُ: مِنَ الحَلْي وَكَانَ للزِّينة المَحْضَةِ، ورخَّصها لِلسُّلْطَانِ لِحَاجَتِهِ إِليها فِي خَتْم الكُتُب)، وأما عن تاريخه: فيبدو أن الخواتم كان لها الباع الطويل في تاريخ البشر منذ فجر التاريخ، ومن ذلك ما جاء من الآثار عن خاتم نبي الله سليمان (عليه السلام)، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) (فوائد تمام 1/ 272)، وفي (تفسير الطبري 2/ 316): حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ:(عَمَدَتِ الشَّيَاطِينُ حِينَ عَرَفَتْ مَوْتَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ فَكَتَبُوا أَصْنَافَ السِّحْرِ: مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْلُغَ كَذَا وَكَذَا، فَلْيَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا. حَتَّى إِذَا صَنَعُوا أَصْنَافَ السِّحْرِ، جَعَلُوهُ فِي كِتَابٍ. ثُمَّ خَتَمُوا عَلَيْهِ بِخَاتَمٍ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِ سُلَيْمَانَ).

والكلام عن الخواتم كثير وفي كتب كثيرة، فكما أنه متوارث عبر التاريخ، ثبت أنه كما تلبسه النساء فهو أيضا من سيم الرجال، بل أشتهر بلبسه الأغنياء والسادة والملوك والسلاطين، وحتى الأنبياء والرسل، حتى وصل الأمر إلى النبي الخاتم محمد (صلى الله عليه وسلم)، والأحاديث في خاتمه وكيفية لبسه وضوابطه كثيرة، أختصرها فيما يلي: أولًا: أنواع معادن خواتمه (صلى الله عليه وسلم): 1 ـ الْخَاتم الَّذِي هُوَ من الْفضة: عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال:(كَانَ خَاتَمُهُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيّاً) (صحيح مسلم 3/ 1658)، وانظر حديث رقم:(4810) في صحيح الجامع، وفيض القدير (5/ 169). ومعناه: كان خاتمه ـ بفتح التاء وكسرها ـ سمي خاتمًا: لأنه يختم به ثم توسع فيه فأطلق على الحلي المعروف وإن لم يكن مُعدًّا للتختم به ذكره ابن العراقي، ومعنى (من ورق) بكسر الراء الفضة، ومعنى (وكان فصه حبشيًا) أي: من جزع أو عقيق، لأن معدنهما من الجنة، أو نوعًا آخر ينسب إليهما، أو إن معدنهما بالحبشة واليمن وقيل لونه حبشي أي أسود، وفي المفردات: نوع من زبرجد ببلاد الحبش لونه إلى الخضرة ينقي العين ويجلو البصر)، وفيه عنه من طريق آخر (كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ) انظر (حديث رقم: 4809 في صحيح الجامع)، ومعنى: (فَصُّهُ مِنْهُ: أي فصه من بعضه لا منفصل عنه مجاور له ـ فمن تبعيضية أو الضمير للخاتم ـ وهذا بدل من خاتمه وكان هذا الخاتم بيده ثم الصديق فعمر فعثمان حتى وقع منه أو من معيقيب في بئر أريس) (الشمائل الشريفة للسيوطي، ص: 216)، 2ـ الخاتم الحديد: وفي (مصنف ابن أبي شيبة 5/ 193) قَالَ:(أَخْبَرَنَا مَكْحُولٌ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حَدِيدًا مَلْوِيًّا، عَلَيْهِ فِضَّةٌ غَيْرَ أَنَّ فَصَّهُ بَادٍ)، وفي (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 22/ 33): فِي حَدِيث معيقيب عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ:(كَانَ خَاتم رَسُول الله ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ من حَدِيد ملوي بِفِضَّة، فَكيف يجمع بَينه وَبَين حَدِيث الْخَاتم الْحَدِيد؟ قلت: أُجِيب عَنهُ بأوجه: الأول: أَن لَا مَانع أَن يكون لَهُ خَاتم من فضَّة وَخَاتم من حَدِيد ملوي. الثَّانِي: أَنه يحْتَمل أَن يكون خَاتم الْحَدِيد الملوي بِفِضَّة كَانَ لَهُ قبل أَن ينْهَى عَن خَاتم الْحَدِيد. الثَّالِث: أَنه لما كَانَ خَاتم الْحَدِيد قد لوي على ظَاهره فضَّة صَار لَا يرى مِنْهُ إلاَّ الظَّاهِر، فَظن أَنه كُله فضَّة)، وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَاتَمَانِ أَحَدُهُمَا فَصُّهُ حَبَشِيٌّ وَالْآخَرُ فَصُّهُ مِنْهُ، إِنْ كَانَ الزُّهْرِيُّ حَفِظَ فِي حَدِيثِهِ مِنْ وَرِقٍ وَالْأَشْبَهُ بِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الَّذِي كَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا هُوَ الْخَاتَمُ الَّذِي اتَّخَذَهُ مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ طَرَحَهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ) (حاشية السيوطي على سنن النسائي 8/ 173)، 3 ـ الخاتم من الذهب: عَنْ ابْنِ عُمَرَ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ: (اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خَاتَمَ الذَّهَبِ، فَلَبِسَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتَمَ، وَإِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا" فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ)، قال الألباني: صحيح، (المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة 19 /468 ب رقم5275)، فيا ترى أين كان يلبس رسول الله خاتمه؟ رويت في ذلك روايات.

منها ما يفيد أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يلبس خاتمه في يده اليمني، وأخرى تفيد أنه كان يلبسه في يده اليمني من الجهة اليسرى، فمن الروايات التي نفيد أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يلبسه في اليد اليمني: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) (السنن الكبرى للنسائي 8/ 378)، وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: (كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي يَمِينِهِ)، كذا في (فوائد تمام 1/ 91)، ومن الروايات التي تفيد أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يلبسه في يده اليمني من الجهة اليسرى: عنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:(كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ خَاتَمِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي إِصْبَعِهِ الْيُسْرَى) (السنن الكبرى للنسائي 8/ 379)، والخروج من هذا الخلاف ذكره صاحب كتاب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 326): قال الحافظ: الجمع بين الأحاديث المختلفة بأنه تختم أولا في يمينه، ثم تختم في شماله، وكان ذلك آخر الأمرين، وقال ابن أبي حاتم: ولكن يمينه أكثر، وقال البيهقي في الأدب: يجمع بين الأحاديث بأن الذي لبسه في يمينه هو خاتم الذهب، كما صرح به في حديث ابن عمر، والذي لبسه في يساره هو خاتم الفضة، وفي المسألة خلاف، والأصح اليمين مطلقًا لأن اليسار آلة الاستنجاء، فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة .. الخ.

وإليكم ـ أحبابي الكرام ـ بعض ما جاء عن نقش خاتمه (صلى الله عليه وسلم): عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: (كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: سَطْرٌ مُحَمَّدٌ وَسَطْرٌ رَسُولُ وَسَطْرٌ اللهِ)، فَهَذَا كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (شرح معاني الآثار 4/ 264)، وفي (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 2/ 352)، وَمِنْ أَوْضَحِهَا:(خَاتَمُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنَ الْفِضَّةِ الْمَنْقُوشُ فِيهِ:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ. حَتَّى سَقَطَ فِي بِئْرِ أَرِيسَ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْن).

[email protected]*