محمود عدلي الشريف:
إخوة الإيمان والإسلام .. تكملة لمسيرتنا العطرة في هذا الشهر الفضيل في رحاب سلسلة (مقتنيات رسولنا الكريم ـ عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم ـ وممتلكاته) .. اليوم موعدنا لنتشرف برؤية ما كان يلبسه ـ بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ـ من نعال في رجليه الشريفتين.

فقد اهتم المؤرخون بكل ما يخص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مقتنيات وممتلكات، ومن الأمور التي لاقت الحظ الوافر نعاله (عليه الصلاة والسلام)، فقد رووا عنها كل شيء بكل دقة وتدقيق، فقد وصفوها من حيث اللون والجنس والعدد وذكروا هيئتها وكيفيتها بل وكيف كان ينتعلها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكالعادة أول من يلاقينا سؤال يطرح علينا نفسه ألا وهو: ما معنى نعال؟ ومن أي جلد كانت نعاله (صلى الله عليه وسلم)؟ وما أنواعها وأوصافها؟ وكيف كان يلبسها (صلى الله عليه وسلم)؟.

وفيما يلي ـ أيها الأحبة ـ ستكون الإجابة بمشيئة الله تعالى: يقول أهل اللغة:(نعل ـ بفتح العين وحكي كسرها ـ وانتعل: أي: لبس النعل، وأنعل رجله ألبسها نعلًا) (فتح الباري لابن حجر 10/ 311)، و(النعل)، و(النعلة): ما وَقَيتَ به القدم منْ الأرض، مؤنّثة، قَالَ ابن الأثير:(النعل مؤنّثة، وهي التي تُلبس فِي المشي، تُسمّى الآن تاسومة ـ اسم من أسماء النعال في زمانهم ـ ووصفها بالفرد، وهو مذكّر، لأن تأنيثها غير حقيقيّ، والفرد هي التي لم تُخْصَف، ولم تُطارَق، وإنما هي طاقٌ واحد، والعرب تمدّح برقّة النعال، وتجعلها منْ لباس الملوك. والجمع نِعال، وأنعُل، كسهم وسهام، وأسهُم)ـ ذكره فِي (لسان العرب 11/ 667) بزيادة يسيرة منْ (المصباح)، (ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 39/ 162)، وفي (تحفة الأحوذي 5/ 382):(وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ: النَّعْلُ لِبَاسُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ النَّاسُ غَيْرَهَا لِمَا فِي أَرْضِهِمْ مِنَ الطِّينِ، وَقَدْ يُطْلَقُ النَّعْلُ عَلَى كُلِّ مَا يَقِي الْقَدَمَ)، وأما عن جلد النعال التي كان يلبسها (صلى الله عليه وسلم) فقد روى الحارث بن أبي أسامة ـ رحمه الله تعالى ـ عن حميد ـ رحمه الله تعالى عليه ـ قال:(حدثني من سمع الأعرابي يقول: رأيت لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعلين من بقر)، وروى أبو الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ عن أبي ذر ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال:(رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي في نعلين مخصوفتين من جلود البقر)، (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 319). وأما أنواعها وأوصافها: فقد ورد (أن طول نعله (صلى الله عليه وسلّم) كان شبرًا، وأصبعين، وعرضه أو عرضها: مما يلي الكعبين سبع أصابع، وبطن القدم خمسة، وفوقها ستة، ورأسها محدد، وعرض ما بين القبالين أصبعان) (المرجع السابق 7/ 321)، قال عبد الله بن عمر:(أما الأركان: فإني لم أر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمس إلا اليمانيين، وأما النعال السبتية: فإني رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها)، ... الحديث. (فتح الباري لابن حجر 10/ 308)، قال الخطابي:(السبتية التي دبغت بالقرظ، وهي التي سبت ما عليها من شعر أي: حلق) (المرجع السابق 10/ 309). وروى الطبراني:عن ضباعة بنت الزبير ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت:(كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ نعل، لها خنصران) (سبل الهدى والرشاد ـ مرجع سابق 7/ 319)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قِبَالَانِ مَثْنِيٌّ شِرَاكَهُمَا) قَوْلُهُ:(قِبَالَانِ) بِكَسْرِ الْقَافِ تثنية، قال الحافظ في الفتح:(القبال: هُوَ الزِّمَامُ وَهُوَ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّسْعُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ أُصْبُعَيِ الرَّجُلِ)، (تحفة الأحوذي 5/ 382)، ومعنى (مثنى):(يقال: ثنى بين الشيئين، إذا جمع بينهما متعاكسين ، (شراكهما) والشراك ـ بكسر المعجمة: أحد سيور النعل يكون على وجهها، أي: على وجه النعل، أي: ظاهرها الذي يكون فوق ظهر القدم، والشراك: الحبلان المتراكبان على ظهر القدم المبسوطان عليه، أولهما على أطراف الأصابع، وآخرهما تحت الكعبين) كذا في (مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى 21/ 176)، وعَنْ مَالِكٍ:(كَانَتْ نَعْلِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِلَى التَّدْوِيرِ مَا هُوَ وَتَخْصِيرُهَا فِي مُؤَخَّرِهَا، وَهِيَ مُخَصَّرَةٌ وَمُعَقَّبَةٌ مِنْ خَلْفِهَا، فَقُلْتُ: أَكَانَ لَهَا زِمَامَانِ؟ قَالَ: ذَاكَ الَّذِي أَظُنُّ .. الحديث) (المراسيل لأبي داود، ص: 313)، وذكر ابن الجوزي:(أنه كان لنعل رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ سيران يضع أحدهما بين إبهام رجله والتي تليها، ويضع الأخرى بين الوسطى والتي تليها، ويجمع السيرين إلى السير الذي على وجه قدمه ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ المعروف بالشراك) كذا في (شرح شمائل الترمذي) (المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود 2/ 135)، وقَالَ الْجَزَرِيُّ:(كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَيْرَانِ يَضَعُ أَحَدَهُمَا بَيْنَ إِبْهَامِ رِجْلِهِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيَضَعُ الْآخَرَ بَيْنَ الْوُسْطَى الَّتِي تَلِيهَا وَمَجْمَعَ السَّيْرَيْنِ إِلَى السَّيْرِ الَّذِي عَلَى وَجْهِ قَدَمِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ الشِّرَاكُ) (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ـ تحفة الأحوذي 5/ 382)، وقَالَ عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ:(أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالَانِ، قَالَ: أَنَّهُمَا كَانَتَا نَعْلَيِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (أخرجه البخاري وأبو داود)، ومعنى (قِبالان) قِبال النعل:(زِمامها، وهو السير الذي يكون بين الإصبع الوسطى والتي تليها، و(جرداوان) نعلان جرداوان: لا شعر عليهما) (جامع الأصول في أحاديث الرسول 10/ 655)، وعَنِ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ يَقُولُ:(رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْنِ مَخْصُوفَتَيْنِ) (البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 12/ 401)، كما أنه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ يلبس الخف، وقد رويت روايات كثيرة عن صفة الخفين: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: (أَهْدَى دِحْيَةُ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خُفَّيْنِ، فَلَبِسَهُمَا)، وفي (زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 134)، (وَلَبِسَ الْخُفَّيْنِ وَلَبِسَ النَّعْلَ .. الحديث)، ومن الجدير بالذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يخف نعله بنفسه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:(هَبَطْتُ مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من ثنية (هَرْشَى) فَانْقَطَعَ شِسْعُهُ فَنَاوَلْتُهُ شِسْعِي، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَجَلَسَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ لِيُصْلِحَ نَعْلَهُ .. الحديث) (إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة 4/ 522)، ومن الجدير بالذكر أيضًا: أنه (صلى الله عليه وسلم) كان شفوقًا رؤوفًا رحيمًا على كل من يلقاه، ومن أجمل ما" رَوَى محمد بن خفيف الشيرازي بإسناده إلى عائشة ـ رضي اللَّه عنها ـ أنه (صلى الله عليه وسلم) احتَذَى نعلًا، فأعجبه حسنها، ثم خرج بها، فدفعها إلى أول مسكين لقيه، ثم قال:(اشتر لي نعلين مخصوفتين)، ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه (صلى الله عليه وسلم) ما روي عن كيفية لبسه (عليه الصلاة والسلام) لنعله وخفه، روى عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت: (كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ ينتعل قائمًا، وقاعدًا) (سبل الهدى والرشاد، مرجع سابق 7/ 320)، وروى عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال:(كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا لبس نعليه بدأ باليمين، وإذا خلع خلع اليسرى) (المرجع السابق 7/ 320)، وعلمنا ذلك فيما روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:(إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، فَلْتَكُنِ الْيَمِينُ أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ) (الشمائل للترمذي ص:87)، والجدير بالذكر أيضًا أن نعاله (صلى الله عليه وسلم) كان يحب عبد الله بن مسعود أن يحرسه لرسول الله، ولهذا سمي ـ رضي الله عنه ـ بصاحب النعل عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ:(كَانَ عَبْدُ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ ذا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ينزع ـ عبد الله بن مسعود ـ نعليه من رجليه ـ أي من رجلي رسول الله ـ ويدخلهما ـ أي: ابن مسعود ـ فِي ذِرَاعَيْهِ، فَإِذَا قَامَ ـ رسول الله ـ أَلْبَسَهُ إِيَّاهُمَا، فَيَمْشِي بِالْعَصَا أَمَامَهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْحُجْرَةَ) كذا (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 1/ 115) .. فصلوات ربي وسلامه عليه .

[email protected]*