د. أحمد مصطفى أحمد:
لعلَّ مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي برصاص المتمردين شمال تشاد يلفت انتباه العالم إلى الخطر المتنامي للإرهاب في إفريقيا. وبغضِّ النظر عن أي من جماعات المتمردين في تشاد التي أصابت الرئيس ديبي لدى وجوده شمال بلاده حيث يواجه جيشه هجوما للميليشيا المسلحة، فإن تلك الجماعات قويت شوكتها في الفترة الأخيرة مع تعزيز الوجود الإرهابي في ليبيا. وتواجه تشاد منذ فترة ضغطا إرهابيا مزدوجا: جماعات المتمردين في الشمال عبر الحدود مع ليبيا، وبعضها جماعات أسسها مرتبطون بأحد التنظيمات الإسلامية، وجماعة بوكو حرام، المرتبطة بتنظيم القاعدة ثم داعش، من جنوب الغرب عبر الحدود مع نيجيريا. ولطالما كانت تشاد أحد مصدات الإرهاب في دول الساحل والصحراء، وكان الرئيس الراحل إدريس ديبي من أهم من يعتمد عليهم في تلك الحرب الإفريقية ضد الإرهاب. ولأن جيوش بلدان المنطقة، مثل تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، ليست بالقوة الكافية عددا وعتادا تستهدفها تلك الجماعات باستمرار.
تحاول فرنسا منذ فترة إقناع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بالمساهمة بقواتها في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، لكن تلك الجهود لم تسفر عن تقدم ملموس. وليس هناك سوى قوة فرنسية من حوالي خمسة آلاف تساعد قوات تلك البلدان في مواجهة خطر الإرهاب المتنامي. وبعدما كان الأمر قاصرا على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، انتقلت عناصر من بقايا إرهابيي داعش إلى إفريقيا من البوابة الليبية. وتشهد مناطق استخراج الذهب في مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج هجمات مستمرة من تلك الجماعات الإرهابية. أما في تشاد ونيجيريا فالهدف هو السيطرة على الثروات النفطية. ومع شبه القضاء على داعش في سوريا والعراق قبل سنوات قليلة، أصبحت إفريقيا قبلة الإرهابيين الجديدة. وللأسف تزامن مع ذلك التصعيد الإرهابي خفض الولايات المتحدة لوجودها العسكري هناك. وكانت القاعدة الجوية للقيادة العسكرية الإفريقية الأميركية (أفريكوم) في النيجر تلعب دورا في التصدي لتلك الجماعات باستخدام الطائرات المسيرة بدون طيار (درونز). لكن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب أرادت توفير مئة مليون دولار بإلغاء تلك العمليات الجوية ما أضعف التصدي لتلك الجماعات الإرهابية.
في السنوات الأربع الأخيرة، يكاد التصعيد الإرهابي في غرب إفريقيا وجنوب الصحراء يتصل ببقيته في منطقة القرن الإفريقي، أي حركة الشباب الإرهابية التي تنطلق من الصومال وتطول كينيا وغيرها. بل إن ذلك التصعيد الإرهابي امتد جنوبا على الساحل الشرقي لإفريقيا ليصل إلى موزمبيق، مستهدفا مشروعات الغاز الطبيعي على حدود موزمبيق الشمالية مع تنزانيا. وعلى مدى السنوات الأربع قتل العشرات من سكان المنطقة ومن قوات الأمن والجيش ونزح عشرات الآلاف من السكان. لكن ذلك لم يكن محط اهتمام للإعلام العالمي حتى هاجم إرهابيو داعش فندقا في بالما شمال شرق موزمبيق نهاية الشهر الماضي وذبحوا عددا من الأجانب الذين يعملون في مشروع الغاز الطبيعي في المنطقة. لكن سرعان ما توارى الخبر ولم نشهد أي تحرك من دول العالم للعمل على مواجهة هذا التصعيد الإرهابي ولو حتى بمساعدة الدول الإفريقية في التصدي له.
في نهايات القرن الماضي، كانت إفريقيا مجرد ملاذ مؤقت للإرهابيين من تنظيم القاعدة وبعض الجماعات من دول شرق آسيا المرتبطة مباشرة بأحد التنظيمات الإسلامية. ولعلنا نذكر لجوء القاعدة إلى السودان في بداية حكم الإخوان تفاديا للضغط العسكري من أميركا وقوات حلف الناتو عليهم في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. لكن في السنوات الأخيرة تجذر ذلك الوجود الإرهابي وطور وجودا محليا يعتمد على جماعات من المنطقة مثل الشباب في الصومال وبوكو حرام في نيجيريا وغيرها. ولأن إفريقيا لا تأتي ضمن أولويات النظام العالمي عامة، فالأرجح أن ذلك يوفر بيئة مناسبة لنمو الإرهاب وتعزيز شوكته.
من غير الواضح إن كان العالم ينتظر حتى يفاجأ بكيان إرهابي يفوق داعش والقاعدة وغيرهما يمتد على عواصم إفريقية وليس مجرد جيوب في بعض البلدان. حينئذ سيكون الخطر على الأمن والسلم العالمي وصل إلى مرحلة حرجة. لذا يتمنى المرء أن يكون في اغتيال المتمردين للرئيس التشادي فرصة لانتباه العالم لهذا لخطر. وجل ما نخشاه أن يركن العالم إلى تفسيرات تقليدية تريحه من المسؤولية، معتبرا أن ما جرى في تشاد هو امتداد لحرب أهلية في الستينيات والسبعينيات، أو أنه مجرد صراع مسلح على السلطة. وهذا الإغفال لعامل الإرهاب هو الكارثة الحقيقية؛ لأنه يفوِّت فرصة كبح جماحه قبل أن يستفحل وتصبح مواجهته أكثر كلفة وأطول أمدا.
قد يتصور البعض أن الإرهاب في إفريقيا بعيد عن تهديد أمنه واستقراره. لكن التجارب الحديثة والمعاصرة، وبعضها ما زال ماثلا أمامنا، تثبت أن خطر الإرهاب عابر للحدود، فتلك التنظيمات لا تؤمن بالوطنية ولا بالحدود ولا بفكرة الدول أصلا. ولعلنا ما زلنا نواجه في منطقتنا خطر الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي على دول شبه الجزيرة، وما تعانيه دول جوار ليبيا، من مصر إلى تونس، من زيادة وجود الإرهابيين في ذلك البلد الذي مزَّقته الحروب الداخلية. وإذا كان تنظيم داعش احتاج في مواجهته تحالفا لمكافحة الإرهاب من 40 دولة لتصفية جيب في جزء من العراق وجزء من سوريا، فما بالك بإرهاب في قارة ممتدة مثل إفريقيا؟!