علي بن سالم الرواحي:
الآية التاسعة من الجزء التاسع:(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف ـ 143).

المعنى الإجمالي للآية:

محل الإشكال:

(وكلمه ربه)، (رب أرني أنظر إليك)، (لن تراني)، (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)، (تجلى ربه للجبل).

سبب الإشكال:

كيف كان التكليم؟، هل تجوز الرؤية؟ هل قوله:(لن تراني) مؤبد أو منته بيوم القيامة؟ هل ينظر إلى عدم ثبات الجبل في قضاء الله أم على انه محال عادة فقط؟، كيف تجلى للجبل نور قليل جداً من أنواره العلية السبحانية المقدسة؟.

حل الإشكال:

1 ـ تكليم الله لعباده صفة كمالية، يكون كما ذكرت الآية: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) (الشورى ـ 51) ولم يتضح لنا كيفية هذا التكليم هل بلسان وهو مستحيل او بغيره، لكن هناك من قال أن كلام الله مخلوقًا، وهناك من قال ليس مخلوقًا، وذهب أصحاب القول الأول: أن التكليم إما أن يكون تارة صفة ذاتية لنفي البكم عنه سبحانه، وتارة صفة فعل متعلق بالقدرة والمشيئة وهو ضد السكوت، ويخرج منه أن القرآن الكريم وكلام الله موسى صفة فعل حادثة، وبالتالي يكون الكلام حادثًا أي مخلوقًا كسائر أفعال الله سبحانه، أما أصحاب القول الثاني ذهبوا إلى أنه صفة ذات قديمة، وبالتالي ليس حادثًا، والخروج من الخلاف أن يقال هو كلام الله المنزل المسموع .. والله أعلم.

2 ـ بالرجوع إلى سؤال موسى للرؤية هل هي: جائزة، دل عليها سؤاله إياها فهو أعلم الناس بربه، ولا يقع منه إلا السؤال الجائز، بل قيل لما سمع كلام الحبيب سبحانه اشتاق إلى رؤيته سبحانه، ومحالة، وقد طلبها لقومه ونسبها لنفسه كنايةً ليبهتهم، حيث إن الآيات الأخرى تدل على أن قومه طلبوا منه أن يريهم الله جهرة، فصعقهم الله سبحانه بسببه.

3 ـ بالرجوع إلى جواب الله نبيه موسى عن الرؤية، هل هي: محالة، حيث قوله:(لن تراني) مانع من الرؤية إلى الأبد، حيث (لن) تعجيزية ومستقبلية، وأنه مدح له سبحانه وتبديل المدح يكون ذمًّا وبالتالي نقيصة في حقه سبحانه، وجائزة يوم القيامة، بمعنى لا طاقة لك بها في الدنيا بل في الآخرة.

4 ـ الرؤية من حيث تعليقها بثبات الجبل - وهو أقوى وأثبت من موسى بكثير - أمام التجلي الرباني: محالة، حيث لم يثبت في قضاء الله وقدره أبد الآبدين، وجائزة، حيث وإن كانت العادة تحيل ذلك فإن العقل لا يحيله مما يجوِّزها في الآخرة حين يكون الإنسان طورًا آخر يكون أثبت من الجبل بكثير بحيث يستطيع الرؤية كما قالوا .. والله أعلم.

5 ـ تجلى للجبل بصيص من نوره سبحانه ولا نستطيع الخوض في حقيقة ذلك فتفتت الجبل وصار مسحوقًا بعد إن كان صلدًا راسيًا.

* كاتب عماني