حامد مرسي:
يقول الحق سبحانه وتعالى:(والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود، قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما لا يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد) (البروج 1 ـ 9).

يقسم الله عز وجل بالسماء الدنيا صاحبت النجوم العظيمة واليوم الموعود وهو يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة وما طلعت شمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه ولا يستعيذ فيها من شر إلا أعاذه واليوم المشهود وهو يوم عرفه لإنه يوم يشهد الملائكة ويشهد الخلائق، الحجاج يشهدون ذلك والمقيم كذلك، يقسم الله بهذه الأشياء كلها على أمر عظيم وهو اللعن لأصحاب الأخدود فمن هم أصحاب الأخدود؟ وما قصتهم هذه القصة تجمع بين العظة والعبرة والثبات وقوة الإيمان، الإيمان الذي لا يتزعزع وبطل هذه القصة غلام صغير كافح في قوة وعزم وثبات وصبر لقد ضحى بنفسه وضحى بروحه ليظهر أن الإيمان قوة هائلة كامنة في الصدر وتجعل الإنسان لا يخشى أي مخلوق.

ويروي لنا هذه القصة سيدنا صهيب ـ رضي الله عنه ـ فيما يرويه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقول:(كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبُر الساحر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلامًا أعلمه السحر فبعث الملك إليه غلامًا يعلمه وكان في طريق الغلام إذا سلك إليه راهب، فقعد الغلام عند الراهب وسمع كلامه فأعجبه وكان إذا أتى الساحر: مرَّ بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه لتأخره وإذا رجع من عند الساحر قعد إلى الراهب مرة أخرى وسمع كلامه فإذا رجع إلى أهله ضربوه كذلك لتأخره، وتوثقت علاقة الغلام بالراهب وازداد تعلقه به الأمر الذي ترتب عليه: إشتداد الأذى بالغلام من الساحر تارة ومن أهل الغلام تارة أخرى وشكا الغلام أمره إلى الراهب، فقال له الراهب: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي أي: أخروني، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر وتمضي الأيام على هذه الحال، وبينما الغلام في طريقه يومًا: إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس .. ومنعتهم من السير في الطريق فقال الغلام: اليوم أعلم ـ الساحر ـ أفضل أم الراهب ، ثم أخذ الغلام حجرًا ورمى به الدابة وهو يقول: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ويمروا من هذا الطريق، ثم رماها، فقتلها فمضى الناس وذهب الغلام إلى الراهب فأخبره بما حدث فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلي فإذا بُليت فلا تدل علىّ، وشاع أمر الغلام بين الناس فقد كان يبريء الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأمراض، وقد سمع بالغلام: واحد من جلساء الملك وكان قد عمي وذهب بصره فجاء إليه بهدايا كثيرة، فقال الغلام في دهشة واستغراب: ما هذا؟ فأجابه قائلًا: هذا لك إن أنت شفيتني ورددت إلىّ بصري، فقال الغلام: إني لا أشفي أحدًا وإنما يشفي الله عزوجل فإن آمنت بالله دعوت الله لك فشفاك فآمن بالله، فشفاه الله، وبعد أن رد الله بصره جاء إلى الملك وجلس معه كما كان يجلس، فقال الملك في دهشة واستغراب: من الذي رد عليك بصرك؟ فأجابه قائلاً: ربي عز وجل، فقال له الملك: أو لك رب غيري! فأجابه قائلاً: ربي وربك الله فأخذه الملك فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك، ما تبريء به الأكمه والأبرص وتفعل كذا وكذا، فقال له الغلام: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله عز وجل فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فرفض وأبى إباء تامًّا فدعا الملك بالمنشار وأمر بوضع المنشار في مغرق رأس الراهب ثم شقه به نصفين ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك.

* إمام مسجد بني تميم بعبري