حامد مرسي:
مازال الحديث مستمرًا عن قصة أصحاب الأخدود، ولما رفض الغلام أن يرجع عن دينه وأبى إباءً تامًّا، فدفعه الملك: إلى جماعة من أصحابه وقال لهم: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به ولما صعدوا الجبل، قال الغلام: اللهم أكفينهم بما شئت فاضطرب الجبل وتحرك بهم فسقطوا جميعًا وماتوا، وجاء الغلام يمشي إلى الملك فقال له الملك: ماذا فعل أصحابك؟ فقال الغلام: كفانيهم الله عز وجل، وعلى الرغم من فشل هذه المحاولة التي كانت تهدف إلى التخلص من الغلام، فقد دفعه الملك مرة أخرى إلى جماعة أخرى من أصحابه ثم قال لهم: اذهبوا به فاحملوه في سفينة ثم توسطوا به البحر فإن رجع عن دينه: وإلا فاقذفوه في البحر ونفذوا ما أمرهم به الملك ولكنهم لما توسطوا البحر قال الغلام: اللهم أكفينهم بما شئت فانقلبت السفينة بهم فغرقوا جميعًا، وجاء الغلام يمشي إلى الملك فقال له الملك ماذا فعل أصحابك؟ فقال الغلام: كفانيهم الله عز وجل، وهكذا يفشل الطغاة في إسكات صوت الحق، وهنا يأتي دور التضحية والفدائية النادرة، فيقول الغلام للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك به. فقال الملك: وما هو؟ فقال الغلام: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع نخلة وبعد ذلك خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس، ثم قل بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ونفذ الملك: ما أشار به الغلام وجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع نخلة ثم أخذ سهماً ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغ الغلام، فوضع الغلام يده على صدغه وفي موضع السهم ثم فاضت روحه ومات الغلام، وهنا قال الناس في صوت واحد آمنا بالله رب الغلام، ورجع الملك والغيظ يملأ قلبه فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد نزل بك حذرك قد آمن الناس فأمر الملك بالأخدود بأفواه السكك والطرقات وأشعلت النيران فيها، ثم قال: من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها ففعلوا ذلك حتى جاءت امرأة ومعها صبي صغير فتقاعست أن تقع في النار، فقال لها الصبي: يا أماه اصبري ولا تتقاعسي فإنك على الحق هكذا يفعل الطغاة المستبدون فهم يسرون في الحياة ومن فيها على حسب أهوائهم وشهواتهم يعذبون هذا ويقتلون ذاك لقد خد لهم الأخدود وملؤه نارًا وألقوا فيه المؤمنين وجلس الطغاة الكفرة يشاهدون النار والمؤمنون يقذفون فيها ولكن الله ينجي المؤمنين الذين ألقوا في هذه النار يقبض أرواحهم قبل أن تمسهم النار وخرجت النار إلى المشاهدين من الكفار فأحرقتهم وما حدث هذا التعذيب والتنكيل إلا لأنهم آمنوا بالله وكفروا بما سواه، وهكذا المؤمن يعيش في هذه الحياة فليس عجيبًا أن يلعن الله الكفره والطغاة والفسقة، البغاة والذي يصبر على البلاء ويصبر على طاعة الله فلا يرتكب المعاصي يدخل الجنة بدون حساب، روي عن عبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ قال:(إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الصبر فيقوم ناس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتقول لهم الملائكة إلى أين؟ قالوا إلى الجنة. قالوا قبل الحساب؟ قالوا نعم. قالوا من أنتم؟ قالوا: نحن أهل الصبر. قالوا: كيف صبرتم؟ قالوا: صبّرنا أنفسنا على طاعة الله ورسوله وصبّرنا أنفسنا عن معاصي الله وصبرناها على البلاء والمحن في الدنيا. فتقول لهم الملائكة: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، والذي يصبر على البلاء ويرضى بقضاء الله يرضى الله عنه ويباهى به الملائكة ويدخل الجنة جزاء على ما صبر وتحمل في سبيل طاعة الله ورسوله، فقد ورد أن فرعون لعنة الله عليه لما طغى وبغى وتكبر وتجبر وادعى الألوهية لنفسه وخلع وصف الربوبية على شخصه وكانت زوجته آسية تؤمن بالله وتتبع موسى على دينه بيد أنها كانت تكتم إيمانها وتخص عبادتها، فلما لامت فرعون على إدعائه الألوهية سألها عن دينها قائلاً: ألا تؤمنين بي؟ ألا تعبدينني كما يعبدني الناس؟ فقالت له: أنا لا أؤمن إلا بالله فاطر السماوات والأرض ولا أقدس إلا ذاته تعالى فزجرها فرعون وهددها بالعذاب الشديد وشد جسمها على الأوتاد في حر الشمس عساها أن ترجع عن إيمانها أو تكفر بربها فلم يؤثر فيها عذابه ولا أنقص من إيمانها ذرة واحدة، فهددها بالموت إن لم ترجع عن دينها .. الى آخر القصة) .. هذا والله أعلم .

* إمام مسجد بني تميم بعبري