محمود عدلي الشريف:
أيها الصائمون .. فإننا لا نزال نتشرف بالاطلاع على ما كان يمتلكه رسولنا الكريم ـ بأبي هو وأمي عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم ـ وما كان يقتنيه من متاع الحياة الدنيا، واليوم موعدنا لنشاهد دروعه (صلى الله عليه وسلم) التي كان يستخدمها في حروبه، وهنا سؤال يطل برأسه كعادته، قائلًا: ما معنى درع؟ ما عدد دروع رسول الله؟ وما أوصافها؟ وما أسمائها؟ وسنجيب على هذا السؤال بأركانه .. والآن إليكم ما يلي:

ـ معنى الدرع:(وَالدِّرْعُ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ثَوْبُ الْحَرْبِ مِنْ حَدِيدٍ، مُؤَنَّثٌ وَقَدْ تُذَكَّرُ) (جمع الوسائل في شرح الشمائل 1/ 159)، يقول ابن منظور في اللسان (درع 8/ 83):(الدِّرْعُ: قَمِيصٌ مِنْ حَدِيدٍ يُلْبَسُ وِقَايَةً مِنَ السِّلاَحِ، تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، والجمع دروع وأدرع ودراع، وهو قميص معدني يلبس ليقي صاحبه ضربات السلاح، وأيضا يطلق على الثوب التي تلبسه المرأة)، وفي القاموس المحيط:(دِرْعُ الحديدِ، بالكسرِ، درَّع فلانٌ الفارسَ ألبَسَه الدِّرْعَ، وهي قميص من حديد متشابك أو رقيق يقي الجسمَ من طعنات الحروب).

وأما عن عدد دروع رسول الله (صلى الله عليه وسلم): فإن عددها سبعة كما جاء في كثير من الكتب، ومنها ففي (جمع الوسائل في شرح الشمائل 1/ 159):(وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَبْعَةُ أَدْرُعٍ) وكذا في (إمتاع الأسماع 7/ 142)، وفي كتاب (قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر 1/ 150):(وكان له تسعة أدرع).

وأما عن أوصافها فقد وردت أوصاف لبعض الدروع منها:

ـ (ذَاتُ الزَرَافِينَ): عَنْ عَامِرٍ، قَالَ:(أَخْرَجَ لَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ دِرْعَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَإِذَا هِيَ يَمَانِيَةٌ، رَقِيقَةٌ، ذَاتُ زَرَافِينَ ـ يعنى: الحديدة في طرف الحزام يُشدُّ بها كالإبزيم) (المعجم العربي لأسماء الملابس، ص: 207)، (فَإِذَا عُلِّقَتْ بِزَرَافِينِهَا شُمِّرَتْ، وَإِذَا أُرْسِلَتْ مَسَّتِ الْأَرْضَ) (أخرجه أبو الشيخ في أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ 2/ 400)، وأخرج ابن سعد في (طبقاته 1/ 239، ط: إحياء التراث):(فهذا يعني أن درعه قد احتفظ به آل بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى وصل إلى علي بن حسين).

ـ (ذات حلقتي الفضة): عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ قال:(كانت في درْع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضَّة، عند موضع الثنيِّ، وفي ظهره حلقتان من فضة أيضًا، وقال: لبستها فخطت الأرض)، (أخرجه ابن سعد في الطبقات 1/488). وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:(كَانَ دِرْعُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَهَا حَلْقَتَانِ مِنْ فِضَّةٍ عِنْدَ مَوْضِعِ الثَّدْيِ، أَوْ قَالَ: عِنْدَ مَوْضِعِ الصَّدْرِ، وَحَلْقَتَانِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، قَالَ: فَلَبِسَهَا فَخَطَّتِ الْأَرْضَ) (جمع الوسائل في شرح الشمائل 1/ 159).

ـ (الموشحة بالنحاس): روى الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما:(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له دِرْع موشحة بنحاس، تسمى ذات الفضول) (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 5/ 272).

وأما عن أسمائها: فقد وردت في كثير من الكتب، وإليكم ـ أحبائي ـ تفضيل ذلك باختصار:

الأولى (السّغديّة):(بضم السين المهملة، وسكون الغين المعجمة نسبة إلى السغد بالضم بساتين نزهة، وأماكن مثمرة بسمرقند أو الصغد بسمرقند بلد تعمل فيه الدروع) (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 368)، (كانت السِّغْدِيَّةُ لعكين أو لعُكير القينقاعي، وهي واحدة من الدرعين اللذين أَصَابَهُمَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ) (مصنف ابن أبي شيبة 5/ 197)، قال بعض الحفاظ:(وكانت السِّغْدِيَّةُ عند بني قينقاع يتوارثونها لأنهم يدعون أنها كَانَتْ دِرْعَ دَاوُدَ ـ عليه السلام ـ وكانت عمله بيده، الَّتِي لَبِسَهَا لِقِتَالِ جَالُوتَ) كما أفاده النيسابوري في (شرف المصطفى) .. والله أعلم، و(تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 1/ 410) روى محمد بن مسلمة الأنصاري: (ورأيت عليه أي على رسول الله يوم خيبر درعين: ذات الفضول والسغدية) (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 18/ 409)، (مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، ص: 374).

الثانية (فضّة): عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ، صَاحِبِ الشَّارِعَةِ قَالَ:(كَانَتْ دِرْعُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَاتُ الْفُضُولِ أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ .. الحديث) (تركة النبي، ص: 101). وهي من دروع بني قينقاع ـ بطن من يهود المدينة، روى ابن سعد عن مَرْوان بن المعلّى قال: (أصاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من سلاح بني قَينُقاع درعين، درع يقال لها: السعْدية، ودرع يقال لها: فضّة) (صحيح وضعيف تاريخ الطبري 7/ 275)، وعن محمد بن مسلمة، قال:(رأيتُ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يومَ أحُد دِرْعين: درعُه ذاتُ الفُضول ودرعُه فضّة) كما جاء في (منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم، 1/604)، وجاء في كتاب:(تلقيح فهوم أهل الأثر، ص: 38):(أن درع السعدية وَفِضة أهداها فَرْوَة بن عَمْرو إِلَى النَّبِي ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ فَوَهَبَهَا لأبي بكر).

الثالثة (ذات الفضول): بالضاد المعجمة: سُمّيت بذلك لطولها، وقيل:(سُمّيت بذلك لفضلة كانت فيها، وكانت من حديد موشّحة بنحاس) (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 4/ 136)، وعن علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال:(كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ درع يقال له ذات الفضول، أَرْسَلَهَا إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ) (مصنف ابن أبي شيبة 5/ 197)، وروى ابن سعد عن محمد بن مسلمة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال:(رأيت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم أحد درعين إحداهما ذات الفضول ..الحديث) (عمدة القارئ شرح صحيح البخاري 11/ 182)، (ألبسها رسول الله عليًا وأعطاه سيفه ذا الفقار وعمامته السحاب، وكانت تسعة أكوار، وخرج علي ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ لمبارزة عمرو بن ود، فضرب عمرو الدرقة فشقَّها، فعاجله علي بضربة سيف علي عاتقه أردتْهُ قتيلاً) (تفسير الشعراوي 19/ 11998) و(هي التي رهنها عند أبي الشّحم اليهودي ـ رجل من بني طفر بطن من الأوس وكان حليفًا لهم ـ على شعير، وكان ثلاثين صاعًا، وَكَانَ الدَّيْنُ إِلَى سَنَةٍ) (زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 126)، ثمَّ فدَاه أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

الرابعة (ذات الوشاح): بكسر الواو وبالشين المعجمة مخففة وفي آخره حاء مهملة (السيرة الحلبية المسمى" إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون 3/ 461) الْأَصْلُ فِيهِ مِنَ الْوِشَاحِ، والتَّوَشُّحُ الرَّجُلُ يَتَوَشَّحُ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ فَتَقَعُ الْحَمَائِلُ عَلَى عَاتِقِهِ الْيُسْرَى وَتَكُونُ الْيُمْنَى مَكْشُوفَةً، وَفِي الْحَدِيثِ:(أَنَّهُ كَانَ يَتَوَشَّحُ بِثَوْبِهِ أَيْ يَتَغَشَّى بِهِ) (لسان العرب ج 15، ص:217)، وهي من دروعه (صلى الله عليه وسلم) فقد ورد في (النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، ج ٥ ـ الصفحة ١٨٨):(كانت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ درع تسمى ذات الوشاح).

الخامسة (ذات الحواشي):(جمع حاشية ـ وهي في الأصل جانب الثوب)، (منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (صلى الله عليه وسلم) 1/ 604).

السادسة (البتراء): و(البتراء ـ بفتح الباء ـ نظير حمراء وحُميراء، وصف مؤنث مذكره الأبتر من البتر وهو القطع)، (مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه والقول المكتفى على سنن المصطفى 7/ 271)، كان للنبي درع يقال لها:(البتراء) سميت بذلك لقصرها (اللباب في علوم الكتاب (20/ 523).

السابعة (الخِرْنِقِ): بكسر المعجمة وسكون الراء وفتح النون بعدها قاف، لعلها سميت بذلك تشبيها بالناقة إذا خرنقت، وإنما يقال لها: خرنقت: إذا كثر لحم جنبيها، كالخرنق أحد اطلاقين أحدها: ولد الأرنب، وثانيهما: الفتي من الأرنب) كما في:(بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج ١٦، الصفحة: ١١٢)، أو قيل لها ذلك:(لنعومتها وللينها) (بهجة المحافل وبغية الأماثل 2/ 168).

والجدير بالذكر: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان عنده درع يسمى (الحطيمة)، وروى أحمد عن علي:(أردت أن أخطب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنته فقلت: والله ما لي من شيء، ثم ذكرت صلته وعائدته، فخطبتها إليه، فقال: وهل عندك شيء؟، قلت: لا، قال: فأين درعك الحطيمة التي أعطيتك يوم كذا وكذا؟ قلت: هي عندي، قال: فأعطها إياها) (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 2/ 359) .. فصلاة وسلامًا عليك يا سيدي يا أبا القاسم يا رسول الله.

[email protected]*