محمد بن سعيد الفطيسي:
يحاول هذا الطرح المختصر استشراف الاتجاهات المستقبلية للإرهاب، تحديدا المتغيرات الحاصلة في مراكز الثقل أو النشاط من خلال استقراء بعض أهم التحولات التي تم ملاحظتها على فكر واستراتيجيات التنظيمات الإرهابية خلال الأعوام 2019 -2020 والفترة حتى نهاية شهر أبريل 2021م.
لعل أبرز الملاحظات التي يمكن التأكيد عليها في هذا السياق هي بداية العمل على تحويل أو نقل مركز الثقل أو النشاط الإرهابي الدولي إلى دول جديدة في العالم تنتشر فيها مقومات وعوامل التطرف أو هشاشة البنية الاقتصادية في ظل غياب الدولة وضعف البنية السياسية الأمنية وانتشار الموالين والمناصرين، وهي من أبرز الأسباب التي تساعد على انتشار الإرهاب والتطرف في العالم.
وعلى ما يبدو فإن القارة الإفريقية ـ وللأسف الشديد ـ ستكون المرشح الأبرز، ومركز النشاط القادم، أو أرض الميعاد المحتملة لتلك التنظيمات رغم أن هذه القارة لم تعرف الراحة والاستقرار من هذا الوباء طوال السنوات الماضية، تحديدا دول الساحل الإفريقي مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو والكاميرون وموزمبيق وجمهورية الكونغو وإثيوبيا، أو في الحدود الإفريقية المليئة بالثغرات كما يطلق عليها مثل الحدود بين تنزانيا وموزمبيق، هذا إذا ما أضفنا إلى ذلك دولا مثل السودان والصومال اللتين شهدتا ارتفاعا ملاحظا في أعداد الضحايا والهجمات الإرهابية خلال الفترة من يناير حتى أبريل 2021م.
يكفي القول إن في مثلث النيجر ومالي وبوركينا فاسو وفي الفترة من 2019-2020م فقط قتل ما يقارب من 7 آلاف شخص تقريبا، حيث تحولت الحدود الجغرافية للمنطقة التي تضم الدول الثلاث إلى مركز الثقل الرئيسي لتنظيم "داعش" الإرهابي بعد تراجعه في العراق وسوريا وليبيا، وتُعد النيجر وموزمبيق والكونغو ومالي الدول المرشحة بشكل أكبر لتكون مركز الثقل خلال المرحلة القادمة.
مع التأكيد على استمرار تلك التنظيمات في فتح جبهات ثانوية لتشتيت وإضعاف الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في مناطق الشرق الأوسط ودول إفريقيا القوية والدول الأوروبية عبر عمليات إرهابية نوعية تعتمد بشكل رئيس على الذئاب المنفردة أو الإرهاب الفردي، واستغلال مواطن الخلاف وعدم الثقة والإحباط والسخط بين مواطني الدول المستهدفة والحكومات، خصوصا القضايا الاقتصادية منها وتلك التي تلامس جوانب التمييز الطائفي أو السياسي.
وفي رصد لتطور الهجمات الإرهابية في إفريقيا، قال ستيف كيليليا الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية في معهد الاقتصاد والسلام ومقره أستراليا "إن مركز الثقل لداعش والمنظمات الإرهابية الإسلامية الأخرى ينتقل بشكل واضح نحو القارة السمراء"، وهو ما أشار إليه كذلك مؤشر الارهاب العالمي الصادر في نوفمبر 2020 حيث أكد أن تنظيم الدولة "نقل مركز ثقله" من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الإفريقية وإلى جنوب القارة الآسيوية بدرجة أقل.