محمود عدلي الشريف:
أيها الموحدون .. لا نزال مع أسلحة رسولنا الكريم .. (النبي المصطفى، والصفي المرتضى، أصفى الخلائق سرًّا، وأعلاهم قدرًا، وأنقاهم صدرًا، وأنورهم وجهًا ولونًا وأجملهم هامة وخدًّا، وأكملهم قامة وقدًّا، وأرجحهم ميزانًا، وأوضحهم بيانًا، وأفصحهم لسانًا، وأنورهم برهانًا، وأوفرهم إحسانًا، وأعظمهم إيمانًا، له (صلى الله عليه وسلم) الأسماء المعروفة بالجمال، والأفعال الموصوفة بالكمال لا تنصرف فوارس نصره إلا بإضافة الأنفال، ولا ترفع أعلام رماحه وسيوفه إلا عن دم الأبطال، فهي من تأييد الله ..) (خصائص سيد العالمين وما له من المناقب العجائب، ص: 595)ـ

بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ـ فلنشرف برؤية ما كان يستعمله من أقواس ورماح، فاذكروا العليم الفتاح، وصلوا على من نوره أنور من الصباح، وهنا سؤال يطرح علينا نفسه كعادته قائلًا: ما معنى قوس؟ وما أسماء أقواس رسول الله؟ ولماذا سماها؟ وما عددها؟ وما أسماؤها؟ وقبل أن أجيب عن هذا السؤال، أطلب منكم أهل التفضل والإفضال، هلا صلينا على رسولنا هذه اللحظة؟ ثم أما عن ماهية القوس فقد جاء في كتاب (المحيط في اللغة 1/ 489):(القَوْس: مَعْرُوْفَةٌ، وتَصْغِيرُها قُوَيْسٌ، والجميع القِيَاسُ والقِسِيُّ والأقْواسُ والقُؤوْسُ)، و(القَوْسُ: آلة على هيئة هِلال تُرمى بها السِّهامُ، آلة على شكل نصف دائرة تُرمى بها السهامُ، وهي عود مُنحَنٍ يصل بين طرفيه وترٌ (تذكّر وتؤنّث) لم يبق في قوس صبري منزع، آلَةٌ حَرْبِيَّةٌ قَدِيمَةٌ نِصْفُ دَائِرِيَّةٍ، مَشْدُودَةٌ مِنْ طَرَفَيْهَا بِحَبْلٍ مَطَّاطٍ، تُرْمَى بِهَا السِّهَامُ وَتُضَافُ إِلَى مَا يُخَصِّصُهَا فَيُقَالُ: قَوْسُ نَبْلٍ، وكذلك القوس التي في السماء التي يقال هي أمان من الغرق) (المذكر والمؤنث 1/ 577)، (أما العضم، بالضاد: فهو مقبض القوس، حيث يَمسكُهُ الرَّامي بيده ليرمي) (معرفة الفرق بين الضاد والظاء، ص: 23).

وأما عن أسماء أسلحة رسول الله؟ فقد فإما أن يكون هذا خاص برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإما أن يكون هذا من عادة العرب، وزاد رسول الله عن ذلك بأمرين: الأول: أنه سمّى معظم أشيائه، والثاني أن التاريخ حفظ لنا تلك الأسماء كما هي الأمر الذي جعل هذا ميزة خاصة برسولنا الكريم (عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم)، والجدير بالذكر أنه لا مانع أنسوي نحن ذلك، ذكر ابن القيم:(أنه يجوز تسمية الأدوات والدواب والملابس بأسماء خاصة بها تميزها عن مثيلاتها أسوة برسول الله (صلى الله عليه وسلم) (الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 338)، وأما عن عدد أقواسه (صلى الله عليه وسلم)؟ فقد وردت روايات تفيد أن أقواسه (صلى الله عليه وسلم) كانت أربعة، وممن ذكر ذلك صاحب كتاب (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، ص: 133) قائلًا: أما قِسّيه فأربع: الروحاء، والبيضاء، والصفراء، والكتوم. وَكَانَت لَهُ جعبة لسهامه تسمى (الكافور)، وذكر بعضهم أن أقواسه (صلى الله عليه وسلم) كانت خمس: وممن ذكر ذلك الإمام الذهبي في كتابه (تاريخ الإسلام، ط: التوفيقية 1/ 346):(قَالَ شَيْخُنَا: وَكَانَ لَهُ خَمْسُ أَقْوَاسٍ: ثَلَاثٌ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى (الزَّوْرَاءَ)، وَقَوْسٌ تُدْعَى (الْكَتُومَ)، وَكَانَتْ جَعْبَتُهُ تُدْعَى (الْكَافُورَ)، وذكر بعضهم أنها ست: ومنهم ابن الجوزي في كتابه (تلقيح فهوم أهل الأثر، ص: 37):(وقسيه سِتَّ: الروحاء والصفراء وشوحط والكتوم والزوراء والسداد). وأيده تقي الدين المقريزي في كتابه (إمتاع الأسماع 7/ 149):(ويقال: كانت له ست قسىّ: الزوراء، والروحاء، والصفراء، وهي من نبع، والبيضاء، من شوحط، والكتوم، من نبع)، وهذا الذي اختاره صاحب كتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 126):(كَانَتْ لَهُ سِتُّ قِسِيٍّ: الزَّوْرَاءُ، وَالرَّوْحَاءُ، وَالصَّفْرَاءُ، وَالْبَيْضَاءُ، وَالْكَتُومُ، كُسِرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَالسَّدَادُ)، ومنهم من قال أنها سبع، ومن بين مَن مال إلى ذلك صاحب كتاب (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189) حيث قال:(وأمّا أقواسه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكانت له ست أو سبع قسي: قوس من شوحط تدعى الروحاء وأخرى من شوحط تدعى البيضاء وأخرى من نبع تدعى الصفراء أصابها من بنى قينقاع وقوس تسمى الزوراء وقوس تدعى الكتوم انكسرت يوم أحد فأخذها قتادة وقوس تدعى السداد وقوس تدعى الشداد)، ونخرج من هذا الخلاف أن هذه الآت حرب، ربما كسر منها أسلحة، وربما أهدى منها لأحد فرسانه، وربما غير ذلك ولكن في الأخير حفظ ذلك بأنه ملك رسول الله وأنه هو الذي سماه.

وأما عن أسمائها؟، فالأولى (الرّوحاء): وهي واحدة من الثلاثة التي أخذها رسول الله من يهود بني قينقاع (أخذ ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من سلاح بنى قينقاع ثلاث قسيّة: قوسًا اسمها الروحاء، وقوسًا من شوحط تسمى البيضاء، وقوسًا من نبع تسمى الصفراء) (إمتاع الأسماع 7/ 149) عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:(وَأَخَذَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثَلَاثَةَ أَرْمَاحٍ وَثَلَاثَ قِسِيٍّ: قَوْسٌ اسْمُهَا الرَّوْحَاءُ وَقَوْسٌ مِنْ شَوْحَطٍ تُدْعَى الْبَيْضَاءَ وَقَوْسٌ صَفْرَاءُ تُدْعَى الصَّفَرِيَّ مِنْ نَبْعٍ، .. الحديث) (تركة النبي، ص: 102)، وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه:(أَخذ رَسُول الله ـ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ يَوْم أحد من سلَاح بني قينقاع ثَلَاثَ قسي، قَوس اسْمهَا الروحاء، وقوس شوحط تُدعَى الْبَيْضَاء، وقوس صفراء تُدعَى الصَّفْرَاء، من سبع) (تخريج أحاديث الإحياء ـ المغني عن حمل الأسفار، ص: 862)، والثانية (شوحط): بشين معجمة مفتوحة ثم واو ساكنة ثم حاء مهملة وكانت تدعى البيضاء، و(الشَّوْحَط: شجر تتخذ منه القسيّ. الشَّوْحَطُ: نوعٌ من شجر الجبال تُتَّخذ منه القِسِيُّ، والشوحطُ والنَّبْعُ واحدٌ، وقيل: إن كان في جبل فهو نبع، وإن كان في سهل فهو شوحط. الواحدة: شوحطة. وقيل: سُمِّي بذلك لأنه شَحَطَ من رأس الجبل إلى أسفلِهِ؛ يعني: بَعُدَ) (القاموس المحيط 2/ 680)، و(الميسر والقداح، لابن قتيبة ص 44)، وهي واحدة من الثلاثة التي أخذها رسول الله من يهود بني قينقاع، كما سبق، والثالثة (الصفراء): وهي من نبع كسرت يوم أحد فأخذها قتادة بن النعمان، وفي (تلقيح فهوم أهل الأثر ص: 37):(وَمَا ذكر لْبَيْضَاء وَنقل ابْن سعد قَالَ أصَاب رَسُول الله ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ من سلَاح بني قينقاع ثَلَاثَة أرماح وَثَلَاثَة قسي قَوس اسْمهَا الروحاء وقوس شوحط تدعى الْبَيْضَاء وقوس صفراء تدعى الصَّفْرَاء من نبع والنبع بفتح النون وسكون الموحدة وعين مهملة شجرة تتخذ منها القسي ومن أغصانها السهام وقوله هي البيضاء أي: تسمى بذلك)، والرابعة (السّداد): جاء (فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَنه كَانَت لَهُ قَوس تسمى السداد وَكَانَت لَهُ كنَانَة تسمى الْجمع ذكرها جماعة وأسقطها غيرهم)، وروى الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال:(كان لرسول الله (صلى الله عليه وسلّم) قوس يسمى السّداس). (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 362)، والخامسة (الزّوراء): منقولة من الجنس لأن الزوراء اسم للقوس كما في القاموس، وجاء في (المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرجال للمعرفة 1/ 176):(وأَصَابَ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ قَوْسًا تُدْعَى: البَهَاءَ، وقَوْسًا تُدْعَى: الصَّفْرَاءَ، وقَوْسًا تُدْعَى: الرَّوْحَاتِ)، والسادسة (الكتوم): سميت بذلك لانخفاض صوتها إذا رمى عنها، وذكر الواقدي: (أن قوس رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ كانت تُدعى الكتوم، من نبع، وقيل لها ذلك لانخفاض صوتها إذا رمى بها، وهي التي كسرت يوم أحد، تكسرت يوم أحد حتى صارت شظايا لكثرة رميه ـ عليه الصلاة والسلام ـ عنها حتى انحاز العدو فأخذها قتادة بن النعمان الظَّفَريُّ) (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 285)، و(سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/ 23).

والجدير بالذكر ما روي (عَن الحكم بن حزن ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قَالَ: وفدت إِلَى رَسُول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َـ سَابِع سَبْعَة، أَو تَاسِع تِسْعَة، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، زرناك فَادع الله لنا بِخَير. فَأمر لنا بِشَيْء من التَّمْر، والشأن إِذْ ذَاك دون، فَأَقَمْنَا بهَا أَيَّامًا شَهِدنَا فِيهَا الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـَ فَقَامَ متوكأ عَلَى عَصا، أَو قَوس، فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، كَلِمَات خفيفات، طَيّبَات مباركات ثمَّ قَالَ: "أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم لن تُطِيقُوا، أَو لن تَفعلُوا كل مَا أمرْتُم بِهِ، وَلَكِن سددوا، وَأَبْشِرُوا) (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد برقم 2800 وَغَيره، بأسانيد حَسَنَة).

وكأني بكم ـ إخواني الكرام ـ تشعرون بالعظمة والقدوة والفخر والعزة المتمثلة في شخص رسولنا الكريم، انظروا إلى ما أقواسه (عليه الصلاة والسلام) كيف كانت لها أسماء مشرفة إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الشموخ والفروسية، والحكمة والحنكة في الحرب والسلم لرسولنا صلوا عليه وزيدوا فإن الخير في صلاته.

[email protected]*