محمود عدلي الشريف:
أمة الإسلام .. في هذه الحلقة نتحدث عن رماحه (صلى الله عليه وسلم)، وبداية ما معنى الرمح؟ وما عدد رماح رسول الله؟ وما أسماؤها؟.

والإجابة عن هذا السؤال تصحبنا معها وتستضيفنا في قارب لها في رحلتها حتى تصل بنا إلى وسط بحر (الراء والميم والحاء) من محيط اللغة العربية، ثم تغوص بنا في أعماقه لنخرج تلك اللآلئ، فهيا بنا معها وأول ما التقطنا (لسان العرب (2/ 452):(الرُّمْحُ: مِنَ السِّلَاحِ مَعْرُوفٌ، وَاحِدُ الرِّماحِ، وَجَمْعُهُ أَرْماح)، وفي (معجم اللغة العربية المعاصرة 2/ 940):(رمَح فلانٌ فلانًا: طَعَنه بالرُّمْح، ترامح المتحاربون: تطاعنوا بالرِّماح، وهو: قضيب طويل في رأسه سِنانٌ أو حربَةٌ يُطعَنُ بها)، ويقول الإمام الزمخشري في (أساس البلاغة 1/ 383):(رمحته: طعنته بالرمح، ورجل رامح نابل، وهذا رمّاح: حاذق في الرماحة)، وفي (المعجم الوسيط 1/ 371):(الرمْح: قناة فِي رَأسهَا سِنَان يطعن بِهِ وَمن المحراث الْخَشَبَة الَّتِي يمسك بهَا الحراث).

وأما عن عدد رماحه (صلى الله عليه وسلم): فقد اختلفت الروايات في عدد رماحه (صلى الله عليه وسلم): على النحو التالي: يقول ابن الجوزي في (تلقيح فهوم أهل الأثر، ص: 37):(وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة أرماح مَا اطَّلَعت على أسمائهم طبري)، ومنهم من عدها أربعة، كذا في (نهاية الأرب 18/ 297)، و(الوافي بالوفيات 1/ 91): أربعة رماح، ومنهم صاحب كتاب (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، ص: 133): (وَأما رماحه فَأَرْبَعَة: رمح مِنْهَا يُسمى (المثني)، وَثَلَاثَة أَصَابَهَا من بني قينقاع. وَكَانَ لَهُ: عترتان، والعترة: هِيَ الحربة الصَّغِيرَة)، ومثله يقول صاحب كتاب (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 284):(كان عنده أربعة أرماح معدة لقتال الكفار)، وفي حديث أحمد عن عمر سمعت رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) يقول: (جعل رزقي تحت ظل رمحي) (نقله المناوي)، وكونها أربعة هو الذي في المواهب لكن قال الزرقاني: كذا عدها مغلطاي أي: أربعة فتبعه المصنف على عادته، وقد عدها صاحب (العيون والهدى والسبل والعراقي) (خمسة)، وممن عدها خمسة صاحب كتاب (إمتاع الأسماع 7/ 152) حيث قال:(فإنه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أصاب من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح)، ويروى:(أنه كانت له (عليه الصلاة والسلام) خمسة رماح: ثلاثة أصابها من بنى قينقاع)، وفي (عيون الأثر 2/ 416) و(زاد المعاد 1/ 131):(خمسة أرماح ذكر من بينها المثوي والمثني).

وأما عن أسماء رماحه (صلى الله عليه وسلم): فإليكم ـ إخواني الأحباب ـ ما يلي:

الأول (المثوي): بفتح الميم وسكون الثاء المثلثة وفتح الواو، يُقَال لَهُ:(المُثْوِيّ. من الثوي، أَي أَن المطعون بِهِ يُقيم مَكَانَهُ) (المختصر الكبير في سيرة الرسول، ص: 126)، وفي (لسان العرب 14/ 125):(أَن رُمْح النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ اسْمُهُ المُثْوِيَ؛ مِنَ الثَّوَاء الإِقامة) وَفِي (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 230) مثله، قَالَ ابْن الْأَثِير:(سُمّي بذلك لِأَنَّهُ يثوى المطعون بِهِ من الثوى وَهُوَ الْإِقَامَة والمثنى ورمحان آخرَانِ) (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/ 22)، فالمثوى سمى به لأنه يثبت المطعون به من الثوى وهو الاقامة قاله ابن الاثير: (والمثنى ورمحان آخران أصابهما من سلاح بنى قينقاع) (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189).

الثاني (المنثني): وقد اختلف المؤرخون حول اسم هذا الرمح، ففي (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 284):(وفيه أن المثني بضم الميم وإسكان المثلثة وفتح النون وكسرها كما في النور)، قال الزرقاني: ولعل وجه التسمية أنه كان لينا انتهى. وأيد ذلك صاحب (السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون 3/ 462) إلا إنه ذكر أن اسمه المنثي فقال: أما الرماح، فرمح يقال له المثنى بضم الميم وإسكان الثاء المثلثة ثم نون مفتوحة، وفي الأصل المنثي بتقديم النون على الثاء، وذكر محب الدين الطبري في (خلاصة سير سيد البشر، ص: 173) أن اسمه المنثني فقال: وَوَاحِد يُقَال لَهُ المنثني، وأبدل ابن جماعة الكناني النون الأولى تاء، حيث قال في كتابه (المختصر الكبير في سيرة الرسول، ص: 126):(ورُمحٌ يُقَال: المتَثنِّي)، وجمع صاحب كتاب (مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، ص: 369) ذلك كله وأسندها إلى كتبها، فقال:(وكان له (صلى الله عليه وسلّم) سواها رمح يقال له: المتثني بضم الميم، وإسكان المثلثة، وفتح النون وكسرها ـ اسم فاعل من تثني إذا انعطف، ويقال له: المنثني، أو المثنى، ولعل وجه التسمية للرمح أنه كان لينا .. اه) (زاد المعاد والمواهب) بتصرف، و(الإشارة) للحافظ/ مغلطاي، ص: 390) و(تلقيح فهوم أهل الأثر) لابن الجوزي، ص (42).

الثلاثة الباقية: وهي (الثالث والرابع والخامس) ذكرها ابن أبي خيثمة في تاريخه قائلًا: (ثلاثة رماح أصابها ـ صلى الله عليه وسلّم ـ من سلاح بني قينقاع) (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 365)، وأخرجه (الواقدي في المغازي 1/ 179)، وعنه ابن سعد في (الطبقات 1/ 489):(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح)، وجاء شرحه في كتاب (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 284):(من قينقاع .. الخ أي غنمها من يهود بني قينقاع بتثليث النون وقوله المثويا من الثواء، أي: أن المطعون به يقيم مكانه) (قاله المناوي)، ولم يتعرض لضبطهما، وفي الزرقاني: أن المثوي بضم الميم وإسكان المثلثة وكسر الواو ثم ياء أي: القاتل سُمّي به لأنه يثبت المطعون، وفيه أن المثني بضم الميم وإسكان المثلثة وفتح النون وكسرها، كما في (النور) قال الزرقاني:(ولعل وجه التسمية انه كان لينًا .. انتهى)، وأما عن أسمائها فقال:(ولم أقف على اسم لسوي هذين من الرماح، أي: الرمحين الأولين، أما هذه الثلاثة فلم يذكر أحد لها أسماء).، والغريب أن صاحب كتاب (مختصر تاريخ دمشق 2/ 350) انفرد بقوله: (وكانت له ثلاثة أرماح أصابها من سوق بني قينقاع).

السادس (الشنوني): وقد انفرد صاحب (إمتاع الأسماع 7/ 152) بذكر هذا الرمح حيث قال:(ورمح يقال له: الشنونى، وكان له وفضة ـ وهي الجعبة ـ ويقال لها: الكافور، ويقال: اسم كنانته الجمع).

الجدير بالذكر أن للرماح مكانة عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأمته من بعده، فأما عنه فقد جاء في ما رواه البخاري في (صحيحه (4/ 40) عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ، حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)، يقول ابن بطال في شرحه:(قال المؤلف: ومعنى هذا كالأبواب التي قبله أن الرمح كان من آلات النبي للحرب ومن آلات أصحابه، وأنه من مهم السلاح وريف القدر، لقول الرسول:(جعل رزقي تحت ظل رمحي)، وهذه إشارة منه لتفضيله والحض على اتخاذه والاقتداء به في ذلك. قال المهلب:(وفيه أن الرسول خص بإحلال الغنائم وأن رزقه منها بخلاف ما كانت الأنبياء قبله عليه، وخص بالنصر على من خالفه، ونصر بالرعب وجعلت كلمة الله هي العليا، ومن اتبعها هم الأعلون) (شرح صحيح البخاري لابن بطال 5/ 102)، وقوله:(أرزاق أمتي في سنابك خيلها وأسنة رماحها)، فالغنيمة كلها رزق، وكل ما صح به الانتفاع فهو رزق، وهو مراتب: أعلاها ما يغذى، وقد حصر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجوه الانتفاع في قوله:(يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت)، وفى معنى اللباس يدخل الركوب وغير ذلك، (تفسير القرطبي 10/ 148)، وفي هذا إشارة إلى أن يسعى الإنسان إلى اكتساب رزقه وأن لا يتكاسل.

[email protected]*