زارها ــ يوسف المنذري:
المتجول بين الحارات الأثرية القديمة في ولاية إزكي يجد أن لكل حارة طابعا مختلفا من حيث التكوين والمعالم التي جسدت بصمات كفاح الأجداد في الماضي التليد والتي ما زالت شاهدة على براعة العمانيين في الفنون المعمارية، فالزائر لهذا الإرث الحضاري يبقى متأملا بالجهود التي بذلها الأجداد آنذاك رغم قلة الإمكانيات وبساطة العيش، وبقيت هذه الحارات كنوزا أثرية عريقة تحتضن بين جدرانها الطينية البيوت القديمة والأبراج الشامخة والمساجد والحصون والمحلات الصغيرة لتستمر تروي في وقتنا الحاضر حكايات الصبر والكفاح قديماً ومواجهة المصاعب والانتفاع من المواد التي تجود بها الأرض من الطين والحجارة وجذوع النخيل، كما تعد هذه الحارة ذاكرة لا يمحوها الزمن مهما طرأت عليه الحداثة يبقى الحنين إلى الماضي رحلة لا تنتهي لمن عاش تفاصيلها واختزل ذكرياتها.
ولاية إزكي كغيرها من ولايات السلطنة تزخر في كل قرية بتنوع في المعالم والآثار القديمة وتمتلك كنوزا تراثية صاغها الأجداد وتشهد اهتماما لافتاً من قبل المصورين والمهتمين بالحارات القديمة لتسليط الضوء عليها والتعريف بجماليات معالمها، كما يتسابق المصورون في مختلف الولايات لتوظيف عدساتهم نحو توثيق تفاصيل زوايا هذه الحارات لتكون جزءا من ذاكرة الماضي بالأخص مع الطفرة الهائلة التي تشهدها التقانة الحديثة. وفي سياق الحارات القديمة (الوطن) زارت حارة سيماء العلاية القديمة للتعرف والاقتراب من مشاهدها ومآثرها الخالدة. يلفت نظر الزائر لقرية سيماء العلاية من بعيد أحد أبراج حارتها بل هو مفتاح الوصول للحارة والذي يتراءى للزائر صرحا شامخاً على تلة الجبل الذي يحيط بالحارة، ومن هنا تبدأ العدسة توثق أجمل الملامح وتستذكر سطور التاريخ والمكان الذي حوى ما يقارب مائة بيت .. هنا كان الأهالي قديما في بقعة واحدة تجمعهم الأفراح والأتراح بدافع التعاون والألفة.
وتتميز حارة سيماء العلاية بموقعها الاستراتيجي بجانب سفح جبل ومن الجانب الآخر بساتين خضراء تزدان بها أشجار النخيل والمحاصيل الأخرى المتنوعة التي يرويها فلج العالي، وفي الحارة “صباحان” ويحيط بها سور عال، وتبدأ روعة مناظرها بإطلالة صباحها الذي يلفت الزائر لالتقاط صورة استثنائية تعبر عن عبقرية الإنسان العماني والهندسة التي نحتتها الأيادي بدقة واتقان، أما تفاصيل بيوتها بالداخل فالطين يشكل صورا حية من ملامح حقبات زمنية عمرها مئات السنين حيث ما زالت أبوابها ونوافذها بنقوشاتها المتفردة التي تختصر التاريخ العريق وتتميز بعض البيوت بدورين، وحسب بعض الأهالي ففي الحارة بئران كانتا المعين لسد حاجتهم اليومية من المياه، كما يوجد بالحارة مجلس كان بمثابة الملتقى لتداول الأخبار ونقاش المصالح العامة، ويحيط بالقرية 3 أبراج وهي: برج يلوم وبرج الوسطى وبرج الخدم، كما يوجد بالحارة قديما مدرسة لتعلم القرآن الكريم وعلوم الدين.