محمود عدلي الشريف:
أخي الصائم/ أختي الصائمة .. سبق لنا الحديث في الحلقة الماضية عن رماحه (صلى الله عليه وسلم)، وإتمامًا للفائدة (فإنه (صلى الله عليه وسلم) كان له وفضة (وهي الجعبة) ويقال لها: الكافور، ويقال: اسم كنانته الجمع) (إمتاع الأسماع 7/ 152)، وفي (زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 126):(وَكَانَتْ لَهُ جَعْبَةٌ تُدْعَى: الْكَافُورُ، وَمِنْطَقَةٌ مِنْ أَدِيمٍ مَنْشُورٌ فِيهَا ثَلَاثُ حِلَقٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَالْإِبْزِيمُ مِنْ فِضَّةٍ، وَالطَّرَفُ مِنْ فِضَّةٍ)، وَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية: (لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ مِنْطَقَةً).

واليوم نتشرف بالحديث عن حرابه (صلى الله عليه وسلم)، ولا ننسى ذلك السؤال الذي يعترض طريقنا كلما أكملنا طريقنا في هذه الرحلة المباركة، ولما سألناه: أيها السؤال المعترض للطرق، ماذا تقول اليوم؟ فأجاب سائلاً: ما معني حربة؟ وما عدد حراب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ وما أسمائها؟ وقد طلبنا منه أن يصبر نفسه لحظات ليسر معنا طرقنا هذه الحلقة حتى يرى الإجابة بنفسه.

فأما عن معنى كلمة حربة: فيقول الأمام الزبيدي في كتابه (تاج العروس 2/ 250):(الحربة: بفتح فسكون الآلة دون الرمح، تجمع على حراب)، قال ابن الأعرابي: ولا تعد الحربة في الرماح، وقال الأصمعي: هو العريض النصل، ويقول صاحب (المعجم الوسيط 1/ 164):(الحربة: آلَة قَصِيرَة من الْحَدِيد محددة الرَّأْس تسْتَعْمل فِي الْحَرْب، ج: حراب)، وفي (معجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 465): (حَرْبَة مفرد: ج حَرَبات وحَرْبات وحِراب، وهي: آلة قصيرة من الحديد محدَّدة الرأس تستعمل في الحرب، أو سلاح أقصر من الرُّمح)، وعرفها المحدثون:(وهي آلة للحرب من الحديد قصيرة محدَّدة الرأس تثبت أحيانا في رأس البندقية وتجمع على حرَب)، كما جاء في (تكملة المعاجم العربية 3/ 108).

وأما عن عددها: فقد روي أنها ثلاث وقيل أربع وقيل خمس حراب، وقد ذكر ذلك صاحب كتاب (الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء، ص: 393) أنها أربع، فقال: وحربة: يقال لها النّبعة، وأخرى تسمى البيضاء، وأخرى تسمى عنزة، وأخرى الهر، وعلق المحقق بقوله: اقتصر اليعمري وابن القيم على الثلاث الأولى، وذكر الصالحي الرابعة دون أن يسوق فيها شيئًا، وذكره الديار بكري (2/ 189) عن مغلطاي، وأضاف الصالحي خامسة هي: القمرة، وأيد ذلك صاحب (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 365) فقال: عدد الحراب وهي خمس.

وأما عن أسمائها فهي كما يلي:

الأولى (النّبعة): وهذه الحربة جاء في كتب الرواة أن لها ثلاثة أسماء: فالأول (النبعة): روى الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال:(كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ حربة تسمى النّبعة) (المرجع السابق ج7/ 365)، وهذه الرواية تفيد أن اسم هذه الحربة (النبعة) وأيد هذا الاسم صاحب (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189) فقال:(وحربة يقال لها النبعة)، وجاء مؤيدًا في (الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 338)، ومن أسماء حرابه (صلى الله عليه وسلم) النبعة.

والاسم الثاني هو(النَّبْعاءَ): فقد ذكره صاحب الطبراني في (المعجم الكبير 11/ 111) فقال:(وَكَانَتْ لَهُ حَرْبَةٌ تُسَمَّى النَّبْعاءَ)، وذكره أيضًا المناوي في (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 262): (وَكَانَ لَهُ حَرْبَة تسمى النبعاء: بنُون مَفْتُوحَة فوحدة سَاكِنة فعين مُهْملَة، وَقيل: بباء مُوَحدَة ثمَّ نون سَاكِنة فعين مهملة شجر يتَّخذ مِنْهُ القسى ـ أي الأقواس)، وذكر الأمير الصنعاني في (التنوير شرح الجامع الصغير 8/ 479) مثله.

أما الاسم الثالث فهو(النعة): وهو ما ذكره ان سيد الناس في (عيون الأثر 2/ 386) قائلًا:(كَانَتْ له حربة تسمى: النعة، ذَكَرَهَا السُّهَيْلِيُّ).

والثانية (البيضاء): (وكانت له ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ حربة كبيرة بالنسبة لما بعدها وإن كانت دون الرمح أيضًا تسمى البيضاء) (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 284)، وهي أكبر من الأولى، روى النسائي عن ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال: (كان يركز لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحربة في العيد فيصلي إليها)، ذكره صاحب (سبل الهدى والرشاد مرجع سابق 7/ 365)، وتكاد تجمع كتب المؤرخين على هذا الاسم لهذه الحربة، ففي (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/ 22):(وَكَانَ لَهُ ـ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ـ حَرْبَة كَبِيرَة اسْمهَا الْبَيْضَاء)، وفي (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189):(وكانت له حربة كبيرة تسمى البيضاء).

الثالثة (العنزة): روى البلاذري عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قالت:(لما هاجر الزبير إلى أرض الحبشة خرج النجاشي يقاتل عدوًا له، فأعطاه النجاشي يومئذ عنزة يقاتل بها، فطعن بها عدّة حتى ظهر النجاشي على عدوه، وقدم الزبير بها فشهد بها بدرًا، وأُحدًا وخيبرًا، ثم أخذها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ منصرفه من خيبر، فكانت تحمل بين يديه يوم العيد، يحملها بلال ابن رباح، ويخرج بها في أسفاره، فتركز بين يديه يوم العيد، يحملها بلال بن رباح يصلي إليها، توفي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والأمر عَلَى ذلك، وَكَانَ أَبُو بَكْر، وعمر وعثمان ـ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ) (أنساب الأشراف للبلاذري 1/ 524)، وهي (حربة صَغِيرَة دون الرمْح شبه العكازة يُقَال لَهَا العنزة وَكَانَت تركز أَمَامه وَيُصلي إِلَيْهَا فِي السّفر)، وَبِذَلِك اغْترَّ بعض العنزيين فَقَالَ:(صلى النَّبِي إِلَيْنَا ظنا مِنْهُ أَنَّهَا الْقَبِيلَة الَّتِي هُوَ مِنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ العكازة كَمَا رَأَيْت) (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 2/ 22)، وأخرج البخاري، ففي صحيحه كتاب (الصلاة، رقم: 470) بلفظ: عن عطاء بن أبي ميمونة قال:(سمعت أنس بن مالك قال: كان للنبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ إذا خرج لحاجته تبعته أنا وغلام، ومعنا عكازة، أو عصا ... اه)، ارجع إلى (مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، ص: 369)، وروى صاحب كتاب (بهجة المحافل وبغية الأماثل 2/ 308) ما أخرج الطبراني عن عصمة بن مالك قال:(كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حربة تسمى بها بين يديه فاذا صلى ركزها بين يديه)، وقد ذكر بعض المؤرخين لهذه الحربة أسماءً أخرى، منهم الشنقيطي في (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 284)، حيث ذكر لها اسمًا آخر فقال:(حربة صغيرة دون الرمح، بنصفه عريضة النصل لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح فإنه في أعلاه شبه العكاز بضم العين وشد الكاف، يقال لها العترة)، وذكر صاحب (تاريخ الخميس مرجع سابق 2/ 189) لها اسما آخر فقال: (وفى بعض كتب السير تسمى (اليمين) كان يمشى بها في يده، يدعم عليها، وتحمل بين يديه في الأعياد إلى المصلى، حتى تركز أمامه فيتخذها سترة يصلى إليها).

الرابعة (الهدّ أو الهر): وأخرى تسمى الهرّ كذا في الإشارة إلى (سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء .. لمغلطاي بن قليج). ولم أعثر على من ذكرها غيره، والكل أخذ عنه.

الخامسة (القمرة): عن ابن عباس - رضي الله عنه:(أنه كان له ـ عليه الصلاة السلام ـ عنزة تسمى: القمر) عن العنزة المسماة (القمر) قال الصالحي في (سبل الهدى والرشاد 7/ 366): وروى ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:(كان لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ حربة تسمى (القمرة) (مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، ص: 370)، وفي القاموس:(القمرة بالضم: لون إلى الخضرة، أو بياضٌ فيه كدرة، ولون القمر يشتمل على ما ذكره) كذا في (لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 2/ 369).

فائدة مهمة: ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية، ط: الفكر 6/ 9): (كَانَتْ له حربة تسمى السغاء)، فهل كان يقصد بهذا اسمًا آخر لحربة من الحراب التي ذكرت؟ أم أنه كان يقصد أنها حربة أخرى؟ فالأمر راجع إلى قصده، وذكر المناوي في (فيض القدير 5/ 177) ما نصه: (وكان له عنزة بالتحريك حربة تسمى النمر)، وذكره في (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 262):(وَكَانَ لَهُ عنزة بِالتَّحْرِيكِ حَرْبَة تسمى النمر)، وذكر ذلك أيضًا الإمام السيوطي في (الشمائل الشريفة، ص: 230):(وَكَانَ لَهُ عنزة بِالتَّحْرِيكِ حَرْبَة تسمى النمر)، إلا أن ابن ذكره ولم يذكر أنه حربة، في (البداية والنهاية، ط: إحياء التراث 6/ 11):(كان له نمرة تُسَمَّى النَّمِرَ، فهل يقصد بها الحربة السابقة أم يقصد شيئا آخر؟! .. فالله أعلم.

[email protected]*