علي بدوان:
بدأ يتأرجح احتمال العودة لصناديق الاقتراع في "إسرائيل" في انتخابات مُكررة للكنيست، ستكون هي الإعادة الخامسة خلال عامين، وهو حدث لأول مرة من نوعه في تاريخ "إسرائيل" منذ قيامها عام نكبة فلسطين، ومنذ أول انتخابات للكنيست جرت عام 1949. وذلك في ظل فشل بنيامين نتنياهو حتى الآن في تشكيل حكومة يمينية ائتلافية من أقطاب ما يُسمى "اليمين القومي العقائدي" واليمين التوراتي الحريدي، وبعض القوى القريبة منه.
رئيس الحكومة "الإسرائيلية"، بنيامين نتنياهو، يحاول كسب الوقت ومنع تشكيل حكومة من قبل المعسكر المناوئ له، فيلجأ لكل الآلاعيب السياسية، بل ويمارس الخداع بموافقته على حكومة يرأسها بالتناوب مع رئيس حزب "يمينا"، اليميني بقيادة (نفتالي بينيت)، أو رئيس حزب (الأمل الجديد) أو (تيكفا حداشا)، وهو الحزب الذي أسسه المُنشق عن الليكود (جدعون ساعر) وله كتلة برلمانية من ستة أعضاء، في السنة الأولى أو النصف الأول من ولايتها وبعد ذلك يتولى هو رئاستها، مكررًا ما وقع مع الشريك في الائتلاف السابق رئيس حزب أو كتلة (أزرق ـ أبيض) (كاحول ـ لافان) الجنرال بيني جانتس، لكن نتنياهو "سقاه المقلب" وانقلب عليه، ومنعه من قيادة الحكومة من خلال اللجوء إلى الانتخابات الرابعة التي جرت مؤخرًا.
إن نتنياهو يخوض الآن في "إسرائيل" معركة سياسية كبرى في الداخل "الإسرائيلي" لمنع القوى الحزبية المناوئة والمنافسة له من التوصل لبناء وتشكيل حكومة ائتلافية، لذلك يعمل على عرقلة وتشويش، وإرباك، وكسب الوقت في الوضع "الإسرائيلي". وهدفه منع خصومه من التوصل إلى اتفاقات، تسمح لــ(نفتالي بينيت) رئيس حزب "يمينا"، و(يائير لبيد) رئيس حزب (يوجد مستقبل) "ييش عتيد" (يمتلك الكتلة الثانية في الكنيست من خلال 17 عضوًا في الكنيست)، ومعهما باقي لاعبي الكتلة المناوئة، من الحصول على تفويض بتشكيل الحكومة من الرئيس رؤبين ريفلين.
لقد كرر نتنياهو فكرة تشكيل حكومة ائتلافية بالتناوب مع عدد من الأحزاب ذات الكتلة البرلمانية الأكبر في الكنيست مكررًا تجربته السابقة ـــ الفاشلة ـــ مع (أزرق ـ أبيض)، ولكن تلك الأحزاب لم يغب عن بالها ما فعله نتنياهو مع (أزرق ـ أبيض)، لذلك رفضت فكرة التناوب مع نتنياهو من خلال حكومة ائتلافية. وذلك بالرغم من أن (نفتالي بينيت) زعيم حزب "يمينا" الذي يحوز على كتلة برلمانية مهمة في الكنيست، هو أكثر مُرشح مُفضل بالنسبة لنتنياهو للتناوب معه على رئاسة الحكومة، وذلك لأن (نفتالي بينيت) يعتقد بأن حكومة يمينية هي المفضلة بالنسبة له، وهي التي يسعى نحوها، لكن ثقته بنتنياهو مهزوزة معتبرًا إياه رجلًا سياسيًّا غير صادق وغير أمين على الإطلاق، وممكن أن يغدر به.
في هذا الإطار، إن (نفتالي بينيت) بات يُشكل مع (جدعون ساعر) المنشق عن الليكود وكتلته في الكنيست (الأمل الجديد)، محورًا أساسيًّا لا يمكن لنتنياهو أن يشكل حكومة يمينية ائتلافية دونهما، وهو ما قد يدفع نتنياهو للتوجُّه نحو بعض قوى ما يُسمَّى بـ"اليسار الصهيوني" كحزب العمل العمل وكتلة ميرتس، وهي التي ستطالب عندها، مقابل ذلك، بالحصول على حقائب وزارية مهمة، يطالب بالحصول عليها نفسها حزبا نفتالي بينيت "يمينا"، وجدعون ساعر (الأمل الجديد)، فيما ترفض قوى اليمين المُقربة من نتنياهو، وخصوصا حزبي (شاس) و(يهوديت هتوراه)، حكومة بالتشارك مع تلك القوى، والتي يُفترض عندها أن تكون ممثلة بـ"المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية ـــ الكابينيت".
وبالنتيجة، لا يستبعد على الإطلاق أن تتم العودة لصندوق الاقتراع لانتخابات مكررة للمرة الخامسة من أجل اختيار أعضاء جدد في الكنيست، وهذا التكتيك هو الأفضل، والذي يراهن عليه نتنياهو ليضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد: فهو سيتخلص ـ ولو مؤقتًا ـ من ملاحقاته القانونية بتهم الفساد وتلقِّي الرشاوى. وسيتمكن من فرض تشكيل حكومة يمينية بقيادته، وسيربك الساحة السياسية الداخلية، وعموم أحزابها.