من باب العمود بالمسجد الأقصى الشريف إلى حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة، يؤكد كيان الاحتلال الإسرائيلي أنه ذاهب في مشروعه الاستعماري الاحتلالي واغتصاب كل الحقوق الفلسطينية والإسلامية وغيرها والحقوق العربية، غير آبِهٍ بأي مناشدات من أي طرف كان، مدفوعًا نحو إنجاز مشروعه بأحلام تلمودية زائفة وباطلة.
إن تركيز كيان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة القدس المحتلة وما تمثِّله من ثقل عربي وإسلامي وفلسطيني، وما تحتلُّه من مكانة عربية وإسلامية وفلسطينية، مدعومًا من قبل حلفائه الاستراتيجيين والمتواطئين معه الذين رسموا خرائط المشروع السرطاني الاستعماري ووضعوا مخططات التنفيذ، يعكس هذا التركيز هذه المكانة وهذا الثقل، وأن بدون القدس المشروع لن يكتمل ولن يرى النور. لذلك يرى الكيان الغاصب أن استغلال الوقت الراهن الذي تُطأطِئ أمامه رؤوس، وتتواطأ معه مع نفوس، وتتكالب معه شخوص هو أنسب الأوقات وأفضل الفرص المواتية لإحكام القبضة على مدينة القدس المحتلة بأسرها، واغتصاب كل الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية، وطمس كل أثر يشير إليها، والقضاء على كل الوجود الفلسطيني قضاءً مبرمًا، ومحاولة التعجيل في عمليات القضم التدريجي هنا وهناك، مع ما يمثِّله هذا الفعل الإجرامي من جس نبض للأمة التي لا تزال ترزح تحت سباتها، وموبوءة بسموم الخنوع والتخادم والتواطؤ.
ما يجري اليوم في مدينة القدس المحتلة، وفي حي الشيخ جراح، هو إرهاب وجريمة حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث تبدو الوحشية ومظاهر الظلم والعدوان في أجلى صورها، ولا تحتاج إلى تفسير وتوضيح، فالصور القادمة من تلك المدينة المحتلة المكلومة، والمظلوم أهلها والمصادرة حقوقهم، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن ما تمارسه سلطات كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد المقدسيين الفلسطينيين بالعمل على تهجيرهم قسريًّا وهدم منازلهم وسلب ملكياتهم وتزويرها هو إرهاب وجريمة حرب، وما يسند هذا التوصيف وفداحة الجريمة موقف المملكة المتحدة من القدس الشرقية والذي جاء على لسان القنصل العام البريطاني في القدس المحتلة، فيليب هول، بأنها منطقة محتلة، وأنه قد تمَّ ضمُّها بصورة غير قانونية.
وفي زيارة للقنصل العام البريطاني لسكَّان حي الشيخ جراح قال "نعتبر عمليات استرداد الملكيات والتسجيل غير عادلة، ومجحفة وتنتهك القوانين التي تلزم إسرائيل كقوة احتلال"، مُستهجِنًا هول القوانين الإسرائيلية التي تطارد الفلسطينيين. ولا ريب حين يصدر هذا الموقف من دولة مثل المملكة المتحدة صاحبة الدور التاريخي في تسليم أرض فلسطين لليهود عبر وعد بلفور المشؤوم، والداعمة والمتحالفة استراتيجيًّا مع كيان الاحتلال الإسرائيلي فإن الأمر جلل، وجريمة تستوجب التحرك الدولي عبر منظماته وبالأخص منظمة الأمم المتحدة وتفعيل دورها وتطبيق القرارات الصادرة عنها ذات العلاقة بالقدس وبالقضية الفلسطينية عمومًا، وآن للضمائر المتبلِّدة أن تستيقظ، والدفاع عن الشعب الفلسطيني الأعزل الذي لا يطالب بشيء أكثر من حقوقه المغتصبة.
وإذا كان باب العمود قد شهد هبَّة وطنية فلسطينية مقدسية باسلة رافضة للظلم، ومنتصرة للحق أعطت للمحتل الإسرائيلي درسًا كبيرًا في العمل المقاوم ومعناه، وفي معنى النضال المنطلق من قوة الحق، فإن حي الشيخ جراح بأهله وشبابه الوطنيين المرابطين قادر ـ بإذن الله ـ على إيقاف العدو المغتصب لحقوقهم، فما ضاع حق وراءه مطالب.