عادل سعد:
أن يسعى مشرِّعون أميركيون إلى اقناع الرئيس جو بايدن بإيقاف مؤقت لحقوق براءات الاختراع بشأن لقاحات "كوفيد 19"، فلأن هناك معلومات تفيد بأن هذه الحقوق تشكل عائقًا الآن أمام توسيع تصنيع اللقاحات ووصولها إلى ملايين الناس المهددة حياتهم بالوباء نظرًا لأحكام السوق في العرض والطلب وفرض الأسعار بحكم تفاقم الحاجة إليها واحتكار المعلومة، في حين أن خطورة التهديد تحتم موقفًا إنسانيًّا طارئًا مغايرًا يقوم على ضرورة وجود فائض إنتاجي يلبي الحاجة لها، فضلًا عن أن اتساع تداول أساسيات الابتكار تسهم إلى حدٍّ ما في تسريع اللقاحات بعد رفع السرية عنها.
وحين تتمنى منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة وأصوات في أوروبا وبريطانيا واليابان وكندا وفي دول أخرى داعيةً إلى منهج تضامني عالمي يكسر جدار الاحتكار لصالح إنقاذ حياة الملايين من البشر، فإن في ذلك ما يعين الموقف الدولي على تلمُّس خطوات تضامنية كفيلة بتجميع نوعي وكمي لمقاومة علمية أخلاقية تنتشل اللقاحات من ضغوط البيع والشراء.
لا شك أن الابتعاد عن ثقافة الضميمة والمساومات أصبح حاجة العالم بعد أن تجاوز عدد الإصابات سقف الـ150 مليون إصابة، وتجاوز عدد الوفيات ثلاثة ملايين دون أن تكون هناك مؤشرات على انخفاض المعدلات.
إن استمرار التعاطي في مواجهة الوباء بالعقلية الربحية يلحق ضررًا بليغًا بالهامش الأخلاقي في الوقت الذي تتأسس فيه محاولات جدية لخفض التوترات والتصدي للمخاطر البيئية. وتأسيسًا على ذلك فإن ما جرى في العام الماضي 2020 وما شهدته الأشهر القليلة الماضية من السنة الحالية يجيب عن كيف انتصر الحس الإنساني في الدعم الميداني لعدد من الدول التي خرج فيها الوباء عن السيطرة..
الحال، هناك حاجة متبادلة للمعلومات في مواجهة استغلال بعض الأطراف التي لم تتورع من الصفقات القائمة على التدليس التجاري، ومن محتوى هذه الحاجة فإن الإيقاف المؤقت لحقوق الملكية العلمية باللقاحات على الصعيد العالمي يتيح الفرصة لشمول البشرية في هذا النوع من الرعاية استجابةً لمشروع (مصيرنا المشترك) منذ أن أطلقته الأمم المتحدة عام 1987 في دعوة مفتوحة إلى شراكة تضامنية.
وعمومًا لا يستقيم التوجُّه إلا من خلال وضع رقابات وطنية حاسمة على إنتاج تلك اللقاحات لمنع الغش، أما في الميدان العربي فلنا أن نأمل قيمة إنجازية لصناعات عربية من هذا النوع بدل الدخول في الأسئلة عن سرعة، أو تأخر وصول شحنات اللقاحات واحتمال الوقوع في انتظارات لا جدوى منها، بل ومخاطر أن تتعرض الشحنات للاستبدال في إحدى محطات التسويق باستنساخات مغايرة لها.
أسأل فحسب: أين مجلس وزراء الصحة العرب من كل ذلك؟ بل أين الصيادلة العرب منه؟ وماذا فعلت المختبرات العربية التي لا تنقصها الخبرة؟ والسؤال الأقل حراجة: من أي ملف نستطيع تحريك العزيمة القومية في هذا الشأن ورصد وعودٍ يمكن التعويل عليها؟
الأسئلة هنا لا تبحث عن أجوبةٍ ترضي طموح الموقف القومي الموحد، فهذا بعيد المنال في طقوس الاستقطابات السياسية القائمة، بل على الأقل ترضي التكيف الوقتي مع متطلبات التضامن في عالم يستخدم مصطلح (التعاطي الاضطراري) فلماذا لا (نضطر) عربيًّا إلى ذلك، أعني، لماذا لا تكون هناك نسخة عربية مشتركة خالصة في قائمة اللقاحات؟
الفرصة الزمنية محدودة، والآخرون يشغلهم الوقت لوقف التدهور والوصول إلى حلول إنقاذية حاسمة، ومن الحاجة، بل ومن النخوة أن تكون هناك مشاغل عربية مماثلة تؤسس لتوجُّه مشترك ينتشل من الزوايا تضامنًا تعرّض إلى الاندحار على الطاولات السياسية، المطلوب فترة سماح للتجربة فحسب...