للسنة الثانية على التوالي يأتي عيد الفطر السعيد مختلفًا عن تلك الطقوس التي يتميَّز بها عن غيره من المناسبات نتيجة طغيان جائحة كورونا "كوفيد 19" واستشرائها، وتمكُّنها من البشر، وخصوصًا المسلمين أصحاب المناسبة، ومن كلِّ مفصل من مفاصل حياتهم، فجعلتهم مرة أخرى حبيسي منازلهم، والذين يرون في عيد الفطر المبارك جائزة من الخالق سبحانه وتعالى على ما اجتهدوا فيه خلال شهر رمضان الفضيل من صيام وصلاة وقيام وصدقات وزكاة، وبذل كلِّ جهد ممكن لكسب كلِّ ثانية وكلِّ دقيقة وكلِّ ساعة للتقرب إلى المولى جلَّت قدرته ونيل مرضاته والوصول إلى مرحلة التقوى، والذي اختصَّ ذاته العَلِيَّة بفريضة الصوم في هذا الشهر المبارك.
لذلك تجمع مناسبة أو جائزة عيد الفطر السعيد فرحتين؛ فرحة إكمال الصيام وفرحة العيد، واستغلال المناسبة لتقديم التهاني والتبريكات، وصلة الأرحام وتبادل الزيارات، والحرص على رسم البسمة على الأطفال، وإدخال السرور إلى قلب ونفس كلِّ أُم وأب وزوجة وابن وابنة وأخ وأخت وعم عمة وخال وخالة وصديق وأخ عزيز وغيرهم، مع ما يصاحب مناسبة عيد الفطر من استعدادات وعادات وتقاليد، والنزول إلى الأسواق وتوفير مستلزمات العيد، حيث غابت لذَّة كلِّ الاستعدادات، فقد أبت جائحة "كوفيد 19" إلا أن تخطف هذه اللذَّة بحيث لا تصل إلى المستوى الذي كانت عليه، وجعلت الناس يكتفون بمظاهر لم يعتادوا عليها وللمرة الثانية، وجعلت العيد في أضيق حلله، حيث التواصل وتبادل التهاني من بين جدران مغلقة وعبر تقنيات الاتصال الحديثة. ولكن إذا كانت هذه التقنيات قد أوفت بقدر يسير جدًّا مما اعتاد عليه الناس، مع جلب منفعة وهي صون النفس وتجنيبها ويلات الوباء، ودرء مخاطر انتشاره، فإن الرجاء بالله سبحانه وتعالى كبير والثقة به عالية بأن يرفع هذا الوباء، وتتحقق رجاءات الناس وتطلعاتهم، وتعود الحياة إلى طبيعتها، مع ما ينبغي أن يتوافر حيال ذلك من أسباب الالتزام بالإجراءات الاحترازية والتعليمات والإرشادات الصحية لتجاوز الحالة الراهنة دون منغِّصات وفقْد أحبَّة وأعزَّة.
وإذا كان هذا حال المسلمين في مناسبة عيد الفطر المبارك، ليس في السلطنة وحدها، فإن حال أولئك المرابطين المجاهدين في فلسطين المحتلة الذين ينوبون عن أشقائهم وإخوتهم من الشعوب العربية والإسلامية أيضًا مختلف، حيث يرسم هؤلاء المجاهدون الأبطال أعظم فرحة بدمائهم وأنفسهم وأموالهم، ألا وهي فرحة النصر على عدوهم المحتل، والانتصار للقدس المحتلة ولمسجدها الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الثقلين، رسول الرحمة وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وأمام هذه الهبَّة العظيمة والصمود العظيم للشعب الفلسطيني، تبدو إرهاصات النصر قادمة بإذن الله، والتي تخطُّها اليوم المقاومة الفلسطينية وجموع أبناء الشعب الفلسطيني بدمائهم الطيبة، والذين تحيط بهم مظاهر التعاطف وحناجر الدعاء من أشقائهم وإخوتهم خارج أرض فلسطين المحتلة، بالنصر والتمكين؛ إنها معركة كرامة لرسم أفراح ومسرات وأعياد واحتفالات الأمة جميعًا.