هلال بن حسن اللواتي:
إخوتي الاعزاء .. نواصل ما تبقى من هذه الحلقات حول هذا الموضوع الهام والذي بدأناه في أواخر شهر رمضان المبارك ..

.. وننتقل الآن إلى ما يدور في محور أهمية التقوى في الرسالة الإسلامية، فإنه لو لم يكن سوى آية واحدة في القرآن الكريم في بيان أهمية التقوى لكفى، وهذه الآية هي، قال تعالى:(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (النساء ـ 131)، إن هذه الآية صريحة بأن التقوى وصية الله تبارك وتعالى، وللوصية دلالات جميلة وعميقة، منها ما يدل على الاهتمام والتقدير والحرص.

ولكن قد يرد سؤال وهو: ما أهمية التقوى في حياتي كفرد وكحياتي الاجتماعية؟!، الجواب: طبعًا جميعنا يبحث عن شخص ذي نزاهة ورقي وفضيلة يتمتع بصفات جميلة في نفسه وفي تعامله، وإننا نعلم أن الإنسان مهما علت رتبته العلمية الاكاديمية فإنه إن لم يكن نزيهًا تجنبه الناس والمؤسسات على حد سواء، إذن فإن الإنسان المتعلم إنما أضاف إلى شخصيته الحيثية العلمية ذات صفة اكاديمية، وهذه الحيثية لا تضفي على شخصيته صفات الفضيلة، إذ أن صفات الفضيلة لا تتأتى بالشهادات ولا بالكون في مناسب مهمة عالية، بل إن النزاهة والفضيلة تتحقق بالتلبس بها بالتعامل بين أفراد المجتمع بالنحو الذي تتطلبه استحقاقات الفضيلة والنزاهة.

ولا يمكن التلبس بصفات الفضيلة والنزاهة إلا إذا تشكلت بنيته المعرفية على أسس سليمة وفضائلية نزيهة، وهذا يعني أن العمل على تحقيق الفضيلة إنما يكون بتزويد العقل والنفس بمعارف صحيحة لتشكيل قناعات سليمة، وهذا ما يعبر عنه بنظرية المعرفة، والتي تساهم في تشكيل الرؤية الكونية، ومنها تبدأ النفس بالبحث عن تشكيلة معرفية من المفاهيم والمفردات، وكلما كانت المفاهيم قريبة للواقع والحقيقة كلما تشكلت النفس بتشكيلة معرفية جميلة، وبالتالي كان هذا سبب في صدور الصفات الجميلة من الإنسان من الفضائل، ولكن إذا ما دخل في النفس معلومات خاطئة، أو تشكلت فيها مفاهيم غير سليمة، وبدأت النفس تتلقى صفات الرذيلة فإنها تبدا بالتشكل على شكل غير إنساني، وعندئذ سوف تصدر منها صفات الرذيلة، وهذه المعادلة طبيعية ومنطقية،

لأن المخرجات لابد وأن تخرج وفق المدخلات أولًا ووفق ما تواجهه من العمليات الداخلية الفاسدة ثانيًا، وهذا ما يعرف بأن النتيجة تتبع أخس المقدمات.

ومن هنا كانت الرسالة الإسلامية حريصة جدًّا على تشكيل النفس والعقل والروح على اساس قاعدي فضائلي متين كي تصدر من صاحبه الصفات من سنخ وشبه ومثل تلك التشكيلة الفضائلية، ومن أهم العناوين والمفاهيم التي وضعت في هذا الباب هو: التقوى، ومن خلال تتبع الآيات والنصوص الروائية سنجد أن لا يمكن وصف أية شخصية بالإيجابية إذا لم تتحلى بصفة التقوى.

* كاتب عماني