محمود عدلي الشريف:
إخواني وأخواتي .. نواصل ما تبقى من هذه حلقات هذه السلسلة حول (مقتنيات الرسول وممتلكاته)، والتي عشنا فتراتها خلال شهر رمضان الفضيل ..

وقد تكلمنا في الحلقة الماضية عن حرابه ـ فداه نفسي ـ ومن باب إتمام الفائدة أذكر لكم (المحجن).

فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يستخدم (المحجن) في السير والاتكاء، وعلى الرغم من أنه لا يستخدم للحرب وليس من آلات الحرب، إلا أنه يشبه الحربة، إلا أن (الحافظ مغلطاي) في كتاب (الإشارة" في السيرة النبوية)، في باب (آلاته الحربية ـ صلى الله عليه وسلم ـ ص 393) قد ذكره، وذكره أيضًا صاحب كتاب (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189) في الآلات الحربية تحت عنوان: (وأمّا رماحه ـ عليه الصلاة والسلام). وهذا ما جعلني أذكره هنا.

أولًا ـ (المحاجن):

وكأني بكم ـ أيها الأخوة ـ تسألون عن معنى محاجنه (صلى الله عليه وسلم)؟ والإجابة عند أهل المعاجم، يقول ابن منظور في (لسان العرب 13/ 108):(حَجَنَ العُودَ يَحْجِنُه حَجْناً وحَجَّنَه: عطَفَه. والحَجَنُ والحُجْنةُ والتحَجُّن: اعْوجاج الشَّيْءِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: اعوِجاجُ الشَّيْءِ الأَحْجَنِ. والمِحْجَنُ والمِحْجَنَةُ: العَصَا المُعْوَجَّةُ، فالمِحْجَنُ: عَصاً مُعَقَّفة الرأْس كالصَّوْلجان، قَالَ: وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وكلُّ مَعْطُوفٍ مُعْوجّ كَذَلِكَ)، وفي (غريب الحديث 5/ 324):(المحجن: العصا المعوجة التي يجتذب بها الإنسان الشيء إلى نفسه)، وأكد هذا المعنى محقق (الجامع لأحكام القرآن 2/ 184) للقرطبي:(المحجن: عصا معوجة الرأس يتناول بها الراكب ما سقط له)، ومثله جاء في (معجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 450):(وهو أداة معوجَّة الرَّأس تُجذب بها الأشياء كالخُطَّاف)، وفي (مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، ص: 370):(المحجن: عصا معقفة الرأس كالصولجان).

وقد كان لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدة محاجن، منها:

1ـ المحجن قدر الذراع: جاء في (الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء، ص: 393):(وكان له محجن وهو عصا منعطفة يتناول بها الراكب ويحرّك بطرفها بعيره للمشي، وكان قدر ذراع أو أكثر يمشى به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره وهو الذي استلم به الركن في حجة الوداع)، وقال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد 1/ 117):(ومحجن قدر ذراع، أو أطول يمشي به، ويركب به، ويعلقه بين يديه على بعيره)، وعن صفية بنت شيبة:(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة .. الحديث) (تاريخ الإسلام، ت: تدمري 2/ 552).

2 ـ محجن الدقن: روى الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما:(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له محجن يسمى (الدقن) قدر ذراع أو أطول، يمشي به، ويركب، ويلقى بين يديه على بعيره) (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 262)، وجاء بالذال في (عيون الأثر 2/ 226):(كَانَ لَهُ مجن: بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم، سمى بِهِ لَان صَاحبه يسْتَتر بِهِ يُسمى: الذقن)، وجاء بالذال مع التضعيف في (التنوير شرح الجامع الصغير 8/ 480):(وكان له مِجنٌّ: بكسر الميم وسكون الجيم، يسمى: الذَّقَنُ، تقدم ضبطه بفتح الذال المعجمة والقاف .. اه).

3 ـ محجن الوقر:(وكان له محجن يسمى الوقر) (الإشارة إلى سيرة المصطفى ـ مرجع سابق ص: 393، .. وغيره).

4 ـ القضيب الممشوق: جاء في (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189):(وكان له قضيب ـ القضيب العصا ـ من شوحط يسمى: الممشوق) (رواه ابن عباس)، والشوحط: بالشين المعجمة وبالحاء والطاء المهملتين شجر تتخذ منه القسي، أو ضرب من النبع: وهو شجر القسي أيضا، وهما والشريان واحد ويختلف الاسم بحسب كرم منابتها فما كان في قلة الجبل فنبع وفى سفحه شريان، وفى الحضيض شوحط كذا في القاموس ـ وفي (الموسوعة الفقهية الكويتية 11/ 338): (وقضيب من الشوحط يسمى: الممشوق)، قيل: وهو الذي كان يتداوله الخلفاء.

5 ـ المخصرة أو العرجون: عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال:(كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ... إلخ) (متفق عليه) (صحيح البخاري برقم: 4567) و(أخرجه الإمام مسلم في صحيحه برقم: 4786)، قال ابن الأثير: (المخصرة: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مقرعة أو قضيب، وقد يتكئ عليه)، و(مخصرة وهي خشبة تمسك باليد تسمى العرجون) كذا في (تاريخ دمشق 2/ 365 (م)، والعيون، والزاد وغيرها)، ويجدر بالذكر ما ذكره القضاعي في كتابه (عيون المعارف وفنون أخبار الخلائف):(وهي كالقضيب يستعمله العرب والأشراف في أيديهم للتشاغل به، وحك ما بعدت اليد عنه من الظهر).

ثانيا ـ (التروس):

كان الفارس يحمل الرّمحَ والتُّرسَ، والترس بضم أوله وترسة كعنبة وتروس كفلوس وتراس كسهام وربما قيل أتراس، وفي (معجم اللغة العربية المعاصرة 1/ 289): (صفحة من الفولاذ مستديرة أو بيضية الشكل تُحمل لوقاية الوجه والرأس من الضربات، وإذا كان من جلد لا خشب فيه يسمى درقة) (قاله المناوي).

وكان له (صلى الله عليه وسلم) ثلاثة تروس، وإليكم أسماؤها:

1 ـ الزلوق: وقد اختلف في اسم هذا الترس فمنهم من قال:(اسمه الزلوق بفتح الزاي وضم اللام فواو ساكنة فقاف، سُمَّي بذلك لأنه يزلق بفتح اللام عنه السلاح) (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 286)، وفي (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 370):(أي يزلق عنه السلاح فلا يخرقه)، واتفق مع هذ الاسم صاحب (زاد المعاد في هدي خير العباد 1/ 126)، وهنالك من سماه (الزولق) كصاحب (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189) فقال:(وأما أتراسه ـ عليه الصلاة والسلام ـ فكان له ترس اسمه الزولق يزلق عنه السلاح)، وربما كان خطأ خطي. 2 ـ الفتق:(واسمه الفتق بضم الفاء وفتح الفوقية فقاف) (قاله الزرقاني)، وفي المناوي أنه (بضمهما)، كما في (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/286).

3 ـ ذو التمثال: روى أبو سعيد في (طبقاته):(أنّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهدى له ترس فيه تمثال كبش، فكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكانه فأصبح وقد أذهبه الله) (أخرجه ابن سعد 1/ 489 عن مكحول مرفوعًا)، وفى (سيرة مغلطاي):(كان له ترس فيه تمثال رأس عقاب .. انتهى)، وعن حصين ـ رحمه الله تعالى ـ قال:(كان ترس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تمثال عقاب فطمس)، ويقال:(وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يده على ذلك التمثال فأذهبه الله عنه) (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 370).

إخوة الإيمان والإسلام: أشهر من أسلحته (صلى الله عليه وسلم) من التروس ثلاثة، إلا أن هناك من ذكر ترسين زيادة عما سبق وإليكموهما:

4 ـ الْمُوجِزَ: يجدر بالذكر أن ابن كثير في (البداية والنهاية، ط: إحياء التراث 6/ 11) ذكر هذا الترس بقوله:(وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ أَبْيَضُ يُسَمَّى الْمُوجِزَ).

5 ـ الجمع: وروى الطبراني عن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما:(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له ترس يسمى الجمع) (ذكره المناوي في العجالة السنية على السيرة النبوية ص 271)، (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 7/ 370) .. فاللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا وحبيك محمد.

[email protected]*