في الوقت الذي تبكي فيه آلاف الأسر غير السورية حرقةً وألمًا جراء التغرير بأبنائها وإرسالهم إلى سوريا بمزاعم ما يسمى "الجهاد"، تواصل الحكومات المنخرطة في المؤامرة على سوريا عمليات التجنيد في جيش الإرهاب لإبادة الشعب السوري وتدمير دولته، محاولةً إخفاء ضلوعها وأياديها الملطخة بدماء الشعب السوري بأقنعة ادعاء القلق من تزايد هجرة الإرهابيين الذين تسميهم "الجهاديين" إلى سوريا، ورفع وتيرة القلق والخوف من عودة هؤلاء المجندين لا سيما وأنهم قد اكتسبوا خبرة كبيرة في أساليب تنفيذ العمليات الإرهابية.
وبالنظر إلى خريطة انتشار العصابات الإرهابية على مستوى العالم وليس في سوريا وحدها، فإنه لم يعد هناك أي قطر في مأمن من سلوك الجماعات الإرهابية والتكفيرية والظلامية التي تبدو عناصرها منتشرة في دول مختلفة، ومستعدة لتنفيذ المخططات الإرهابية التي تنال من أمن واستقرار الشعوب الآمنة. كما أنه بالنظر إلى ممارسات وآيديولوجيات هذه العصابات الإرهابية والتكفيرية من حيث الأسلوب والفكر وعملية الاختيار والانتقاء للهدف، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن المشغِّل والموظِّف والموجِّه لبوصلة هذه العصابات هو واحد، فالعصابات الإرهابية والتكفيرية التي تمارس الإرهاب نهجًا وتتبناه سلوكًا وقيمةً وعقيدةً ومذهبًا وفكرًا في سوريا لا تختلف عن تلك الموجودة في العراق وليبيا واليمن ولبنان وتونس والجزائر ومالي ونيجيريا وكافة الحاضنات الإفريقية وأفغانستان وباكستان، وشمال القوقاز، والتي لن تترد في توجيه سهام إرهابها الأسود الغادر إلى أي مكان في العالم بمجرد أن تأتيها الإشارة الخضراء من مشغِّلها نحو ارتكاب الجريمة الإرهابية مرفقة بخريطة الموقع المستهدف وإحداثياته، مع توفير كافة الدعم اللوجستي.
يتوهم المتحالفون مع الإرهاب القدامى والجدد أن بتحالفهم هذا وتوظيفهم لأدواته، سواء في سوريا أو غيرها سيجلب لهم ما لم يتمكنوا من جلبه بالوسائل العسكرية المباشرة، وأنه سيحقق لهم أهدافهم الاستراتيجية، فعلى الرغم من أن هذا التحالف سيؤدي فعله في الوظيفة بإبادة الحياة وتدمير مظاهرها وإفناء البشر في البلدان التي يستهدفها هؤلاء الرعاة، لكن في ما بعد ستكون له تبعات وفاتورة باهظة الثمن سيدفعها الرعاة والمتحالفون مع الإرهاب والموظفون لأدواته رغم أنوفهم، وبدماء شعوبهم وبمقدرات دولهم، فالتجربة "الجهادية" في أفغانستان لا تزال حاضرة بحدثها اليومي ومتقدة في الذاكرة والتاريخ جراء الأخطاء التي قادت إلى عمليات التغرير بالشباب لإرسالهم إلى أفغانستان لمقاتلة قوات الاتحاد السوفيتي تحت مزاعم "الجهاد" ونيل "الشهادة" والفوز بـ"الحور العين" في الجنة، ولكن سرعان ما بدأت رحلة عودة من سموا بـ"الجهاديين" إلى بلدانهم بعدما اكتسبوا خبرة كبيرة في أساليب العنف والقتال، ناقلين خبرتهم إليها وتطبيقها، معتبرين حكوماتهم مخالفة للمبادئ والقيم الإسلامية، وبالتالي لا بد من مجابهة ذلك. اليوم هذا التحالف المريب والمشبوه أخذ ألوانًا متعددة في سوريا، تارة بدعم عصابات إرهابية حاولوا تجميل صورتها الإرهابية وفكرها الإقصائي التكفيري بكذبة "الاعتدال" في مواجهة شقيقتها الإرهابية بزعم أنها "متطرفة"، في حين أن هذه العصابات الإرهابية خرجت من رحم إرهابية واحدة، وجرى استيلادها وتكثيرها بالتجنيد غير المسبوق للمرتزقة والمغرر بهم ومن هم في الأصل ذوو توجه تكفيري إرهابي إلغائي، وتارة أخرى دعمها بما سمي "الأسلحة غير القاتلة وغير الفتاكة"، فهل هناك سلاح قاتل وآخر غير قاتل؟
وبدلًا أن تعمد الدول الضالعة في دعم الإرهاب في سوريا وغيرها من اتخاذ خطوات عملية واحترازية لما هو قادم من ارتدادات عندما تبدأ عصابات الإرهاب رحلة العودة، أخذت تمارس أساليبها العقيمة بتعطيل الحل السياسي ووضع العراقيل، سواء بصورة مباشرة أو عبر عملائها وأدواتها ووكلائها، متخذة من الجانب الإنساني أقنعة للإتجار بحقوق الشعب السوري وبدمائه.
إن هناك حاجة ماسة تستدعي تضافر الجهود نحو إجماع دولي على ضرورة تجفيف منابع التمويل المالي والتسليحي والتجنيد لهذه الجماعات الإرهابية، وتوحيد الجهود لتضييق الخناق على تحركات هذه العناصر، وعدم التهاون في تدمير البؤر التي تحتضن هذه الجماعات، هذا إذا كان ثمة شيء من العقل والحكمة والمنطق، وثمة ضمير حي يعطي الحياة معناها الحقيقي ويلبسها ثوبها الجميل بالمحبة والألفة وحسن التعامل والاحترام والتقدير ونبذ الأحقاد والكراهية والإرهاب والعنف والتدمير والتخريب.