هلال بن حسن اللواتي:
عندما نتدبر القرآن الكريم سنجده يضعنا أمام حقيقة من الحقائق التقوائية، وهي: أن التقوى مراتب ودرجات، فالتقوى ليست درجة واحدة، بل إن من يكون في رتبة إيمانية ابتدائية فإن ما يلحقها من أحكام التقوى بنحو يختلف عمن يكون في درجة إيمانية أعلى درجة، إلى أن تصل إلى مستويات أعلى من سلم وهرم الكمال، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين ما يلحقه من صفة التقوى يتناسب ومستوى علو مقامه وعظيم منزلته.

إن القرآن الكريم صرح في قوله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن ـ 16)، فهنا نجد القرآن الكريم يفتح مساحة واسعة للإنسان للتقوى ما استطاع من القدرة العقلية والروحية والنفسية، وهذا يعني أنه يعطيه مساحة من الثقة لكي يقوم هو بنفسه من تأصيل صفة التقوى في نفسه وعقله وروحه، وفي هذه المرحلة يتطلب الأمر إلى التزود بزاد يتناسب مع صفة التقوى مفهوماً ومصداقاً معًا، فلابد وأن يكون العمل على مستوى المفاهيم وتنقيتها واختيار الصالح منها من الفاسد، والجيد والردئ، والإيجابي من السلبي، ففي هذه المرحلة أيضًا نجد ضرورة العمل على وفق موازين التقوى.

إلا أن هناك آية أخرى بينت أن هناك ساحة أخرى من ساحات التقوى وفيها نحو ترقٍ إلى التفكير الجاد في الاستحقاق الذي تستحقه الجنبة الألوهية وهي تلحظ عادة بالنظر إلى الاسماء والصفات الإلهية والآية الكريمة هي: قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (آل عمران ـ 102)، وهذه المرتبة من أعلى درجات التقوى، وفيها أيضًا درجات متنوعة متعدد كثيرة، وهذا يعني أن النظر إلى حالة الإستطاعة العرفية سوف تنسحب وتترقى إلى النظر إلى ذات الإنسان وما تتمتع من القدرات والمؤهلات، وهي بهذا اللحاظ تتعدى النظر العرفي، إذ الإنسان يتمتع بقدرات هائلة مذهلة تمكنه من الرقي إلى أعلى دراجات الكمال البشري، إلا أن الإنسان مما يؤسف له غافل عنها بسبب التهائه بأمور لا تنفع حياته الحقيقية والواقعية.

وهذا الأمر يدفع الإنسان إلى الترفع عن الدرجات الدنيا بالسمو إلى الدرجات العليا، وهذا يعني أنه يبدأ في المسير في صراط العبودية بما يتطلبه ذلك الصراط من متطلبات خاصة، وهنا سيدفع الإنسان نفسه إلى القيام بما يمكنه من نيل درجات القرب الإلهي.

* خلاصة القول:

إنّ التقوى في الحقيقة درجات ومقامات ومراتب، والقرآن الكريم في عين دعوته إلى التحلي بالتقوى بالقدر المستطاع، إلا أنه في الوقت نفسه يوجه خطابه إلى الإنسان بلحاظ ما لديه من حيثية السمو والمؤهلات بضرورة التحلي بحق التقوى بلحاظ ما للساحة الإلهية من حق في التقوى.

* كاتب عماني