محمود عدلي الشريف:
لا نزال في رحلتنا المباركة مع (ممتلكات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومقتنياته) .. واليوم موعدنا لنتشرف برؤية ألويته وراياته ـ بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ـ وبادئ ذي بدء ينبغي علينا أن نوضح معنى الراية؟ ومعنى اللواء؟ وما الفرق بين اللواء والراية؟ وإن كان هناك من ذكر أنهما بمعنى واحد، وإليكم التفصيل:

الراية: جاء في (غاية المريد شرح كتاب التوحيد، ص: 84):(الرَّايَةَ أي: العَلَم، وسُميّ راية، لأنه يُرى، وهو ما يتخذه أمير الجيش للعلامة على مكانه).

اللواء: جاء في (تخريج الدلالات السمعية، ص: 367):(اللّواء: الراية)، وفي (المحكم):(اللّواء: العلم، والجمع ألوية، وألويات، الأخيرة جمع الجمع. وألوى اللّواء عمله أو رفعه، ولا يقال لواه)، وفي (الصحاح 6: 2486):(الألوية: المطارد وهي دون الأعلام والبنود)، وقال ابن العربي:(اللواء ما يعقد في طرف الرمح ويكون عليه) (فيض القدير 5/ 170)، وجاء في (شرح صحيح مسلم - حسن أبو الأشبال 86/ 6):(اللواء: هو الراية العظيمة، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب أو صاحب دعوة الجيش، ويكون الناس تبعًا له)، لأن اللواء أعظم خاصية فيه الشهرة والاجتماع عند الرئيس، وقد كان هناك عرب تنصب الألوية في الأسواق المليئة بالناس.

الفرق بين الراية واللواء:

من العلماء من قال أنهما مترادفان، وأنهما بمعنى واحد: ففي كتاب (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، ص: 103):(الراية بمعنى اللواء، وهو العلم الذي يحمل في الحرب، يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش، وقد يدفعه لمقدم العسكر)، وصرح جماعة من أهل اللغة بترادف الراية واللواء فقالوا:(في كل منهما علم الجيش ويقال: أصل الراية الهمزة وآثر العرب تركه تخفيفًا، ومنهم من ينكر هذا القول ويقول: لم يسمع الهمز) (التراتيب الإدارية، نظام الحكومة النبوية 1/ 263).

ومنهم من قال إنهما متغايران:(وأما كونهما متغايران فلما رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس:(كانت راية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سوداء، ولواؤه أبيض. وهو ظاهر في التغاير بين اللواء والراية)، وبه جزم ابن العربي فقال:(اللواء غير الراية، فاللواء: ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية: ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح. وقيل: اللواء دون الراية. وقيل: اللواء العلم الضخم، والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار. والراية يتولاها صاحب الحرب، فلعل التفرقة فيه عرفية فلا يخالف ما صرح به الجماعة من الترادف)، وقَالَ ابْن الْقيم:(وَرُبمَا جعل فِيهِ السوَاد والراية الْعلم الْكَبِير واللواء الْعلم الصَّغِير) (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 260)، وممن أكد أنهما متغايران (ابن حجر في فتح الباري 6/ 126)، وقال أبو بكر بن العربي:(اللواء غير الراية، فاللواء: ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية: ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح، وقيل: اللواء دون الراية، وقيل: اللواء العلم الضخم، والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية، ويجمع بينها باختلاف الأوقات).

والجدير بالذكر: أن الراية واللواء كانا ملازمين للجيوش:(ألوية ورايات يحملها أشجع المقاتلين والمعروفون بصبرهم على القتال، إذا قتل حامل الراية، قام آخر من الشجعان بحملها. ويستميت المقاتلون في الدفاع عن رايتهم، فسقوط الراية على الأرض أو في يد العدو، معناه هزيمة أصحابها، وتسمى بأسماء قد يتصايحون بها عند احتدام القتال. وذلك لإثارة النفوس، وبعث الحمية فيها على القتال. أما أمر لون الراية وطولها وعرضها، فذلك من شأن الرؤساء والمشايخ وزعماء القوم. ومما يدل على أهمية الراية عند العرب وعلى مكانتها عندهم، أنهم كانوا يسمون لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش أمًّا، وكانت لقريش راية يحتفظون بها ويحاربون تحتها تسمى (العقاب)، وكان المسلمون يحملون (العَنَزَة) بين يدي الرسول، وربما جعلوها قبلة) (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 10/ 106).

ولما كانت الرايات مهمة للحرب والسلم، فقد استعملها رسول الله بكل أنواعها، فقد كان لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) راية واحدة، كما جاء في (سنن ابن ماجه 2/ 941):(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَتْ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ)، وقيل: رايتان، قال ابن إسحاق في أخبار غزوة بدر:(وكان أمام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رايتان سوداوان، إحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع بعض الأنصار) (التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية 1/ 265)، وقيل: رايات كثيرة، كما ورد في (تاريخ البخاري) عن الحرث بن حسان قال:(دخلت المسجد فرأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائمًا على المنبر يخطب وفلان قائم متقلد السيف وإذا رايات سود تخفق) (المرجع السابق 1/ 266).

ومما يؤكد أن الغالب أنها كانت رايات كثيرة ما روي عن الحارث بن حسان البكري قال:(قدمنا المدينة فإذا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد السيف بين يدي رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وإذا رايات رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فسألت ما هذِه الرايات؟ فقالوا: عمرو بن العاص قدم من غزاة) (الجامع لعلوم الإمام أحمد ـ الرجال 19/ 598).

وهنا سؤال يطرح علينا نفسه قائلًا: متى كانت أول راية؟ وعقدت لمن؟، روي في (السنن الكبرى للبيهقي 6/ 590) عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: (أَوَّلُ رَايَةٍ عُقِدَ فِي الْإِسْلَامِ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ)، (في السنة الثانية من الهجرة، بعث ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبيدة بن الحرث بن المطلب بن عبد مناف، على سرية وعقد له راية قال ابن إسحاق: فكانت فيما بلغنا أول راية عقدها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأحد من المسلمين، وبعث في تلك المدة أيضا حمزة بن عبد المطلب، إلى جهة أخرى فقال بعض الناس أيضًا: إنها أول راية عقدت ويحتمل التوفيق بأن بعثهما متوافق متقارب)، والغريب قول السيوطي في (أوائله):(أول ما عقدت الرايات يوم خيبر، وكانت قبل ذلك الألوية). (التراتيب الإدارية مرجع سابق 1/ 264).

من اشتهروا بحملهم لها:

لقد اشتهر بحمل رايات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وألويته كُثرٌ، (فمنهم أبو بكر وعمر، وعلي والزبير بن العوام، وسعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وقيس بن سعد بن عبادة، ومصعب بن عمير، وذلك مفرق في غزواته ـ صلى الله عليه وسلم) (سيرة ابن هشام والروض وغيره) و(التراتيب الإدارية مرجع سابق 1/ 264)، فأما عن أبي بكر وعمر وعلي فقد أكد هذا ما جاء في (لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 4/ 162):(روى حديث فتح خيبر جماعة منهم سهل بن سعد وأنس بن مالك وأبو هريرة يزيدون وينقصون فيه: أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس، فأخذ أبو بكر راية رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ثم نهض فقاتل قتالًا شديدًا، ثم رجع فأخذها عمر فقاتل قتالًا شديدًا هو أشد من القتال الأول، ثم رجع فأخبر رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح الله على يديه، فدعا عليا فأعطاه الراية وقال له: امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك). وعَنْ عَامِرٍ (أَنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَتْ تَكُونُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ فِي الْأَنْصَارِ حَيْثُمَا تَوَلَّوْا) (مصنف عبدالرزاق الصنعاني 5/ 288)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(كَانَ عَلِيٌّ يَأْخُذُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ الْحَكَمُ: يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا) (فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2/ 650). وما يؤكد راية سعد والزبير ما جاء (حتى مرت كتيبة لم يرَ مثلها فقال: من هذه؟ قال: هذه الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، حتى جاءت كتيبة فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وراية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الزبير) (التراتيب الإدارية، مرجع سابق 1/ 264)، وعَنْ عُرْوَةَ:(أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَانَ حَامِلَ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرِهِ) (مصنف عبدالرزاق الصنعاني 5/ 288)، وما يفيد أنها كانت لابنه قيس، حَدَّثَنَا (أَنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَتْ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَدَفَعَهَا سَعْدٌ إِلَى ابْنِهِ قَيْسٍ) (مصنف عبد الرزاق الصنعاني 5/ 288).

.. وللحديث بقية .

[email protected]*