[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” .. وفقا لباحثين ومؤرخين غربيين وعربا، منهم على سبيل المثال لا الحصر: ج.د. درايجر أستاذ اللغة العبرية في جامعة اكسفورد, وفي مقالة له في دائرة المعارف البريطانية. أيضا وفقا للمنقب (الأثري) وخبير اللغات القديمة كلوفاني بيتيناتو، وكذلك الدكتور محمد نحل أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر وغيرهم، وبخاصة كذلك بعد اكتشاف لغة( إبلا) في مغائر مملكة (إبلا) السامية، جنوبي حلب، فإن كلمة "عبرية"، هي كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحِّل في صحراء الشام،”
ــــــــــــــــــــــــــــ

أذكر ...أنني تناولت موضوع: خطأ استعمال وصف " العبرية " في الدلالة على دولة الكيان الصهيوني! في مقالة كتبتها على صفحات هذه الجريدة الغرّاء منذ عشر سنوات. أرسلت ما كتبت للصحف العربية, التي تنشر مقالات يومية مترجمة عن الصحف الصهيونية,على صفحاتها اليومية (لا للنشر وإنما للتصحيح), تحت ما تعتمده من عنوان:" الصحف العبرية"!. للأسف, استمرت هذه الصحف في خطّها, ولم يناقشني أحد فيما كتبت ...لا اتفاقا ولا تخطئة ولا تصحيحا!. استعمال هذا اللفظ هو أكبر خطأ نستعمله في الكتابة الصحفية. اليوم, أعود إلى الموضوع بشكل أكثر توسعا, فالدقة في التعابير واستعمالها,مسألة أساسية في الصراع القائم بيننا وبين دولة الكيان الصهيوني، وكدليل على حرص الصهاينة على التمسك بالتعابير، فإن نتنياهو المستقيل حاليا, ومنذ خطابه الأول في جامعة بارايلان، بعيد تسلمه لمنصبه لفترة ولايته الثالثة، ومن أجل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وحتى اللحظة يتمسك بشرط وهو: اعتراف الفلسطينيين والعرب بـ(يهودية) دولة الكيان في إنجاز أية تسويات مع الطرفين.
أذكركذلك: أنني كتبت مقالة حديثة, بعنوان: بعد الاعتراف بـ "يهودية" الكيان سيأتي دور "عبريته". نعم التعبيران مرتبطان, ولكل منهما نفس التداعيات الخطيرة على الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية, وعلى العرب والعديد من أقطارهم, فشعار "دولة إسرائيل الكبرى" لم ينته بعد من مخيلات اليمين الصهيوني المتطرف, والذي وفقا لاستطلاعات عديدة في دولة الكيان, يحقق إنجازات متصاعدة, والتقديرات: أنه في عام 2025 سيشكل ما نسبته 62% من الشارع الصهيوني في دولة الكيان. رغم كل ذلك للأسف, ما زال البعض من صحفيينا وكتّابنا وبخاصة بعض الأجهزة الإعلامية( بما في ذلك الفضائيات ومن ضمنها فلسطينية) يستعملون تعبير الدولة( العبرية) في وصف الكيان. استعمال هذا التعبير الخاطئ يأتي عن حسن نيةٍ بالتأكيد, رغم "أن الأفعال والسياسات لا تقاس بالنوايا الحسنة"، لا ينطلق هذا المقال لمحاولة فرض رأي صاحبه على الآخرين، بل من وجهة نظر تؤمن بالديموقراطية المطلقة، ودعوت وأدعومجددا، وبعد أن أسرد حقائقي التي بحثت عنها في مصادركثيرة, من له وجهة نظر معارضة, أن يخطّ ذلك على صفحات هذه الجريدة, أو يتفضل بالكتابة لي مباشرة.. من يستعمل هذا التعبير المقيت والخاطئ ربما لا يدرك معانيه. باختصار, يعني الاعتراف بالرواية الصهيونية للتاريخ الفلسطيني: أرضا وشعبا وحضارة، ويعني أيضا, أن فلسطين ملتصقة منذ فجر التاريخ باليهود, وأن العرب والفلسطينيين طارؤون عليها، ويعني أيضا: زيف التاريخ العربي ـ الإسلامي لفلسطين، ويعني شئنا أم أبينا، حقا تاريخيا لليهود في فلسطين، وأنها فعلاً هي(أرض الميعاد) بالنسبة لهم، وأنه يحق للكيان التعامل مع فلسطينيي منطقة 48 باعتبارهم مواطنين من درجة سادسة، وأن من حق إسرائيل ممارسة التمييز ضدهم، ومن حقها طردهم, ففلسطين هي دولة (عبرية) أو(يهودية) لا فرق في ذلك، فالتعبيران يصبان في نفس المجرى، ويعني ويعني ويعني..... أشياء أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعاً.
ولا مانع من التطرق مرة أخرى لأسباب ذلك, فوفقا لباحثين ومؤرخين غربيين وعرباً، منهم على سبيل المثال لا الحصر: ج.د. درايجر أستاذ اللغة العبرية في جامعة اكسفورد, وفي مقالة له في دائرة المعارف البريطانية. أيضا وفقا للمنقب (الأثري) وخبير اللغات القديمة كلوفاني بيتيناتو، وكذلك الدكتور محمد نحل أستاذ التاريخ في جامعة الأزهر وغيرهم، وبخاصة كذلك بعد اكتشاف لغة( إبلا) في مغائر مملكة (إبلا) السامية، جنوبي حلب، فإن كلمة "عبرية"، هي كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحِّل في صحراء الشام، وجاءت بهذا المعنى في الكتابة المسمارية والفرعونية، ولم يكن لليهود وجود في ذلك الحين، ولما وُجد اليهود وانتسبوا إلى إسرائيل, كانوا هم يقولون عن "العبرية" إنها لغة كنعان. كذلك, فإنه وفقا للعديد من الباحثين العرب في بحث لهم بعنوان " ملف الثقافة اليهودية " يؤكدون على أن لغة اليهود في فلسطين وبلاد الشام, ممن تواجدوا فيها, كانت الكنعانية مثل لغة باقي سكان فلسطين والشام. أما الباحث عبدالوهاب الجبوري وفي بحثه القيّم: (نشاة اللغة العبرية وتطورها) فيؤكد على أن اليهود قاموا بتحريف الحقائق التاريخية والعملية والادعاء بتاريخية اللغة العبرية وإعطائها صفة الاستقلالية. اللغة العبرية هي إحدى اللهجات الآرامية والكنعانية(أي في عصر ما قبل ظهور اليهودية كديانة... والدين لا يعني إثنية ولا عرقا, ومخاطبة الله عز وجل لليهود في قرآننا الكريم, ينطلق من مخاطبتهم كأهل ديانة). جماعات اليهود في العالم لا تزال تتحدث بلغات الشعوب الموجودة بين ظهرانيها, وهذا هو الأصل. اما بعض الحاخامات ومعهم المتدينون, فيحرصون على ابتكار لهجة خاصة بهم, فالتجمعات اليهودية في العالم, لا تزال لا تأخذ باللغة العبرية, فبعض الأشكناز( اليهود الغربيون) يتحدثون الييدشية والتي هي خليط عجيب من لهجات ولغات أوروبية حديثة, اما بعض السفارديم (اليهود الشرقيون) فيتحدثون بلهجة اللادينو الإسبانية. فيما بعد ظهر مفهوم "الصهيونية السياسية" وليس الدينية, حرص الحاخامات وعلماء اللغة من اليهود على تطوير اللهجة اليديشية(المشتركة بين الغربيين والشرقيين وتحويلها إلى لغة عبرية ... وجاء شعار الصهيوني آحاد هاعام: أول عبري من اليهود!).
كما يشير كثيرون من الباحثين وخبراء اللغات القديمة إلى حداثة اللغة العبرية, وإلى أنها خليط من لغات, منها القديمة والحديثة أيضاً, كما يؤكدون, على أن الحاخامات وجدوا أن أحسن طريقة يمكن إتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور، هي استعمال مصطلح (عبري), للدلالة على اليهود بوجه عام، وبذلك يكون تاريخ فلسطين تاريخاً واحداً متصلاً, ومرتبطاً منذ أقدم العصور بـ (الشعب) اليهودي. وقد تمسك الباحثون والمؤرخون اليهود وما زالوا بالنظرية القائلة: إن العبرية بمعنى اليهودية، والتي أطلقوا عليها اسم(العبرانية التوارتية) ,هي أقدم لغة سامية معروفة، متجاهلين وجود الكنعانية القديمة فهم ينكرونها في كتبهم التاريخية جملة وتفصيلا ويؤرخون لبدايات علم اللغات ... "ابتداءا من اللغة العبرية ...لغة اليهود" عبر التاريخ, تصوروا مثل هذا التزوير للتاريخ!؟ .إنهم يحاولون بذلك الربط القسري بين العبرية والتاريخ اليهودي واليهود!. ويورد الراحلان غسان كنفاني, وجودت السعد في دراستيهما عن الأدب الصهيوني, الحرص الأدبي الإسرائيلي, على استعمال مصطلح(العبرية) للدلالة على وجود(الثقافة اليهودية الواحدة).
تتطرق كتب كثيرة إلى المسألة اليهودية, من كتاب كارل ماركس عن هذه المسألة، مروراًبالمفهوم المادي للمسألة اليهودية، إمبراطورية الخزر وميراثها .. القبيلة الثالثة عشرة للباحث والمؤرخ اليهودي المعادي للصهيونية آرثر كوستلر المترجم غلى العربية والصادر عن دار اليوسف عام 1978, وغيرها، وصولاً إلى شلوموساند في كتابيه(اختراع الشعب اليهودي, اختراع أرض إسرائيل) وغيرهم وغيرهم كثيرون, ينفون وجود أية روابط بين اليهود القدامى واليهود الحاليين. ولذلك فإن وصف إسرائيل بـ (العبرية) هو وقوع في الفخ الإسرائيلي ـ الصهيوني. ألم يئن الأوان للكف عن استعمال تعبير الدولة(العبرية) والصحف (العبرية)؟ في بعض الإعلام العربي وبضمنه الفلسطيني.