تطرح القضية الفلسطينية اليوم علامات استفهام كثيرة، أصبحت تكبر ككرة الثلج خاصة بعد أن قرر الفلسطينيون نقل ملف قضيتهم العادلة إلى مكانها الشرعي الصحيح وهو مجلس الأمن الدولي ليتولى مسؤولياته الأخلاقية، وليضعوا الدول دائمة العضوية في المجلس وبالأخص التي تتمتع بعلاقات تحالف استراتيجي مع كيان الاحتلال الإسرائيلي أمام مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية بحكم دورها التاريخي والذي أضحى ورمًا سرطانيًّا يهدد المنطقة بأسرها، والذي لا يزال يأخذ مفاعيله ويسري في جسد المنطقة مهددًا بالقضاء على كل الخلايا المقاومة لهذا الداء العضال والمستعصي بتخاذل الدول صاحبة الخطأ التاريخي الأكبر باغتصاب أرض فلسطين لقطعان عانت منها تلك الدول، وكذلك بتخاذل الدول التي استلمت راية التحالف والدفاع فيما بعد عن حل معضلة الاحتلال الإسرائيلي ليس عن فلسطين بل عن الأراضي العربية، واتجهت إلى خيار إدارة ملف الاحتلال أو كما يسمى ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي وفق تبادلية ملموسة وواضحة في الأدوار وفي إطار التنسيق القائم والدائم، حسب طبيعة الموقف إما على شكل فردي أو جماعي.
ولعل علامات الاستفهام التي تفرض ذاتها الآن وبقوة هي: لماذا في كل مرة يمضي الفلسطينيون في طريقهم لنقل قضيتهم إلى العدالة الدولية يعترض طريقهم اللاعبون للأدوار التاريخية الفادحة ذاتهم؟ أليس مجرد الاعتراض والتلويح باستخدام الفيتو وتبني الطروحات والشروط التعجيزية الإسرائيلية غايته ومؤداه رفض حل الصراع، والتأكيد على أن دور رعاة السلام يقتصر فقط على إدارة الصراع والاحتلال والتدخل بما يمنع أي موقف يضع كيان الاحتلال الإسرائيلي في حرج أو التزام واستحقاق قانوني وشرعي؟
إذًا، ووفق هذا اليقين الثابت، فإن دخول فرنسا في خط سير الفلسطينيين إلى مجلس الأمن الدولي وتفريغ مشروع القرار الفلسطيني من مضامينه ومفاعيله وفق الرؤية الإسرائيلية وبالنكهة الفرنسية قد لا تضيف جديدًا عما هو متداول ومعروف في الكثير من التحليلات والاستنتاجات الملموسة السابقة واللاحقة، وإن كانت تؤشر إلى خيوط الارتباط والتحالف الاستراتيجي بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وبين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، حيث جاء الدور الفرنسي مع العزم الأميركي المعلن على استخدام الفيتو ضد مشروع القرار ليؤكد المؤكد، لكنه من جانب آخر يفتح على الأقل الحديث بجدية عن جذور العلاقة التي تعكس فهمًا وتفاهمًا وتنسيقًا عاليًا أرساه التحالف الاستراتيجي بدا واضحًا من خلال اللقاء الرباعي الذي جمع وزير الخارجية الأميركي ونظراءه البريطاني والفرنسي والألماني في باريس أمس الأول، بعد إعطاء باريس دور الدخول على خط الاعتراض لتمييع مشروع القرار الفلسطيني من مضامينه، وما إذا كان بإمكان مشروع القرار الفرنسي رفع الحرج عن واشنطن بعدم اضطرارها إلى استخدام الفيتو، حيث يدعو نص المشروع الفرنسي إلى استئناف سريع للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية المتوقفة منذ الربيع، على قواعد أساسية مثل التعايش السلمي بين دولة فلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي لكن دون تحديد تاريخ لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية. ويفهم من هذا النص إعادة القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول ووضعها تحت رحمة المفاوضات العبثية لتأخذ رحلة عقود أخر من زمن التفاوض العقيم، كما يفهم من لفظ "التعايش السلمي" إبقاء السلطة الفلسطينية على التنسيق الأمني والاستمرار في وظيفة الحارس الأمني لقطعان المستوطنين، والأشد ألمًا ومرارةً وأسًى هو أن لا تاريخ محددًا لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعني استمرار سرطان الاستيطان والتهويد، وبالتالي وأد المشروع الفلسطيني، وما يراد من مجلس الأمن هو تقديم واجب العزاء ليس إلا.