هلال بن حسن اللواتي:
في التقوى فليتنافس المتنافسون، أجل إنه محل السباق الحقيقي الذي به يكرم الإنسان وينال الدرجات العليا دنيا وآخرة.

وقد حث القرآن الكريم على السعي في التحلي بالدرجات العليا، لأنه في ذلك تحصيل لإكرام الله تعالى للعبد، وهذا الإكرام ليس كإكرام البشر بعضهم البعض، فإن غاية ما يمكن أن يحصل العبد من مثله من البشر بعض المنافع الدنيوية الزائلة وهي عادة تقتصر على جزئية محدودة جداً، ولا تغطي كل رغبات الإنسان، هذا مبلغهم من العلم والقدرة والغنى والعزة، بل هو إكرام أقل ما يمكن أن يقال في حقه أن الكائنات تصبح رهن طوع أمر هذا المتقي، هذا مع قطع النظر عن الفيوضات الإلهية التي تفاض على هذا العبد المتقي وتكون عادة متعددة ومتنوعة وذات من الفيوضات المادية والمعنوية، وكلما زادت درجات العبد في مراتب الإكرام الإلهي كلما زادت تلكم الفيوضات الإلهية للعبد، وكلما ظهرت آثارها على شخصيته وعلى مكوناتها وعناصر تكوينها.

"قال تعالى:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرت ـ 13)، اذ هناك فاضل وهناك افضل، فهناك متقٍ وهناك الاتقى، فهذا التفاضل بين هؤلاء المتقين هو ما يحدد درجاتهم ومقامتهم وامتيازاتهم لدى الله تعالى، وهو امر لا يعلمه الا هو عزَّ اسمه، الامر الذي قد بُيّن في ذيل الاية المباركة، قال تعالى:(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وتصريح القران الكريم بوجود مراتب ودرجات في سلم الطاعة والعبودية لله تعالى أمرً جليٌ جدًّا، لا يحتاج الى عناية زائدة لاستكشافها، قال الشيخ الطبرسي في (تفسير جوامع الجامع 3: 409) في تفسير قوله تعالى:(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) أي: (أرفعكم منزلة عند الله واكثركم ثوابًا اتقاكم لمعاصيه، واعملكم بطاعته)، وأضاف الشيخ في (تفسير البيان 9: 230) جملة (بعد) أن أكثركم ثوابًا) فقال:(وارفعكم منزلة عند الله)، وهي تصريح على وجود رتب فاضلة وفي طولها رتب افضل .. ومن هنا نفهم التعليمات والارشادات الالهية الداعية للعبد الى ضرورة التسابق في اكتساب الفضائل، قال تعالى:(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة ـ 48)، وقال تعالى:(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (الواقعة 10 ـ 11)، وقال تعالى، مؤكدًا على وجود مراتب ودرجات.

في سلم العبودية:(خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين ـ 26)، في سياق ذكره سبحانه وتعالى للامتيازات التي يحصل عليها (الابرار)، قال تعالى:(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)، اذ لا يعقل وجود دعوى التنافس ويفترض وجود التساوي بين الناس لمجرد كونهم شهدوا بالشهادتين، (من كتاب من وحي خطبة المتقين: هلال بن حسن اللواتي)، ومن هنا نعلم أيضاً بأن الشخصية الإيجابية ليست على مرتبة واحدة، بل هي على مراتب ودرجات كثيرة.

* كاتب عماني