محمود عدلي الشريف:
أيها القراء الكرم .. فإننا نستعين بحول الله تعالى وقوته، ونكمل حديثنا في هذه السلسلة المباركة حول (ممتلكات الرسول ومقتنياته) .. وكان الحديث قد توقف عند ألويته ـ بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه ـ وتحديدًا وقفنا عند من اشتهروا بحمل رايته، وكان آخر من وقفنا بين يديه الصحابي الجليل قيس بن سعد الأنصاري، واستكمالًا لما بدأناه، نقول ـ وبالله التوفيق: عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ الْقَرَظِيِّ، أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ:(كَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (شرح السنة للبغوي 10/ 403). وذكر الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان عن تفسير القرآن 3/ 172):(أخذ مصعب بن عمير صاحب راية رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يوم بدر وأحد)، وزاد عليهم عبد الرزاق الصنعاني في (مصنفه 5/ 288):(عَنْ شَقِيقِ بْنِ مَسْلَمَةَ، عَنْ رَجُلٍ: رَأَى رَايَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَقَدَهَا لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سَوْدَاءَ).

* مقدار الراية:

عن أبي زرعة الفزعى ثم الثمالي:(أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقد له راية رقعة بيضاء ذراعًا في ذراع هذا لفظ ابن منده). (التراتيب الإدارية، مرجع سابق 1/ 265).

* نوع قماشها:

1 ـ راية الصوف: قال القضاعي في كتاب (الأنباء):(كانت لرسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ راية تُدعى العقاب من صوف أسود) (تخريج الدلالات السمعية، ص: 365)، (وكانت سوداء من صوف من ستر باب عائشة وربما جعلت من خمر نسائه) (تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس 2/ 189).

2 ـ راية القطيفة: جاء في كتاب (ذخيرة الحفاظ 3/ 1826):(كَانَت راية رَسُول الله ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ قِطْعَة قطيفة سَوْدَاء كَانَت لعَائِشَة).

3 ـ راية المرط المرحل: عنْ عَمْرَةَ، قَالَتْ:(كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَوْدَاءَ مِنْ مِرْطٍ لِعَائِشَةَ مُرَحَّلٍ) (مصنف ابن أبي شيبة 6/ 532)، وفي (تاج العروس 20/ 95):(المرط ـ بالكسرـ كساء من صوف، أو خز، أو كتان)، وقال ابن الأعرابي: هو الإزار، وقال النضر: لا يكون المرط إلا درعًا، وهو من خزّ أخضر، ولا يسمّى المرط إلا الأخضر، وظاهر الحديث يصحح ما قاله الخليل وغيره أنه كساء. وفي الحديث الصحيح:(خرج رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ت في مرط مرحّل من شعر أسود. انتهى) (تخريج الدلالات السمعية، ص: 365).

* ألونها:

وردت روايات تفيد أن راياته (صلى الله عليه وسلم) ملونة، وإليكم التفصيل:

ـ الراية البيضاء: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ:(أَنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَتْ تَكُونُ بَيْضَاءَ، وَلِوَاءَهُ أَسْوَدُ) (مصنف عبد الرزاق الصنعاني 5/ 289).

ـ الراية السوداء: أَي:(غَالب لَوْنهَا أسود بِحَيْثُ ترى من بعيد سَوْدَاء لَا ان لَوْنهَا أسود خَالص) (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 260).

ـ الراية الحمراء: جاء في (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 14/ 232) من حَدِيث كرز بن أُسَامَة عَن النَّبِي (صلى الله عَلَيْهِ وَسلم):(أَنه عقد راية بني سليم حَمْرَاء)، وفي (طبقات ابن سعد 1/ 234):(أن وفد سليم لما وردوا على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالوا له: اجعلنا في مقدمتك. اجعل لواءنا أحمر وشعارنا مقدم ففعل ذلك بهم).

ـ الراية الصفراء: عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ قَالَ:(رَأَيْتُ رَايَةَ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ صَفْرَاءَ) (السنن الكبرى للبيهقي 6/ 589)، وروى من حَدِيث مزيدة، يَقُول:(كنت جَالِسًا عِنْد رَسُول الله ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ فعقد راية الْأَنْصَار وَجعلهَا صفراء) (سنن أبي داود 3/ 32).

ـ الراية النمراء: قال ابن جماعة في (المختصر الكبير في سيرة الرسول، ص: 128): (وَكَانَ لَهُ رايةٌ سَوداء، مُرَّبعة من نَمِرة مُخْمَلة .. الحديث)، وفي معنى النمرة يقول صاحب (المحكم والمحيط الأعظم 10/ 268):(النُّمْرَةُ النُّكْتَةُ من أَيِّ لَوْنٍ كانَ والأَنْمَرُ الَّذِي فِيه نُمْرَةٌ بَيْضاءُ وأُخْرَى سَوْداءُ، والنمرة: الحبرة لاختلاف ألوان خطوطها، والنَّمِرَةُ شَمْلَةٌ فِيها خُطُوطٌ بِيضٌ وسُودٌ وطَيْرٌ مُنَمَّرٌ فيه نُقَطٌ سُودٌ وقد يُوصَفَ به البُرُوُدُ).

* أسماؤها:

كان لرايات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسماء، ومنها:

ـ الْعقَاب السوداء: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ:(كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَوْدَاءَ تُسَمَّى الْعُقَابُ) (الطبقات الكبرى، ط: العلمية 1/ 352)، (وَكَانَ يحملهَا سعد بن عبَادَة، ثمَّ يركزها فِي الْأَنْصَار فِي بني عبد الْأَشْهَل، وَهِي الرَّايَة الَّتِي دخل بهَا خَالِد بن الْوَلِيد ثنية دمشق، وَكَانَ اسْم الرَّايَة الْعقَاب فسميت ثنية الْعقَاب) (ذخيرة الحفاظ 3/ 1826)، (وَسَمَّيت رَايَتَهُ الْعُقَابَ ـ تشبيها بهذا الطائر ـ لكون لون العقاب أسود، ولِسُرْعَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ عَلَى الصِّيدِ) (شرح السنة للبغوي 8/ 223).

ـ الزينة أو الريبة البيضاء: يقول صاحب (التراتيب الإدارية، مرجع سابق 1/ 266): (كانت له ـ صلى الله عليه وسلم ـ راية تسمى الريبة بيضاء..)، وجاء في (فتح الباري لابن حجر 6/ 127):(وراية تسمى الراية البيضاء وربما جعل فيها شيء أسود)، وفي كتاب (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 289):(وراية بيضاء يقال لها الزينة).

* نقوشها وما كتب عليها:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) (المعجم الأوسط 1/ 77)، وفي (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 289):(وروي ابن حبان من حديث ابن عباس قال: مكتوب على رايته لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم)، وعن ابن يونس:(وفد على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعقد له راية على قومه سوداء، وفيها هلال أبيض. وشهد فتح مصر وله بها عقب. فيؤخذ من هذا أصل رسم صورة الهلال في الراية الإسلامية، وقيل فيها أمثال الأهلة) (التراتيب الإدارية مرجع سالف الذكر 1/ 265)، وفي السيرة الحلبية المسمى (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون 3/ 52):(وربما جعل فيها الأسود ولعل السواد كان كتابة في ذلك العلم، ولعل هذا اللواء الذي فيه الأسود هو المعني بما جاء في بعض الروايات: كان له ـ صلى الله عليه وسلم ـ لواء أبيض مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله ..).

* الألوية:

كما سبق وذكرنا ما ذكره الرواه عن رايات رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وما كان لها من ألوان وأسماء ونقوش، فقد أفادت روايات تفيد أن ما كان ينطبق على الرايات كان ينطبق أيضا على الأولوية، من حيث الأسماء والألوان وغيرها، وإليكم التفصيل:

1 ـ الأبيض: قال ابن إسحاق في (السيرة 1: 612):(دفع رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ اللواء يوم غزوة بدر الكبرى إلى مصعب بن عمير، قال ابن هشام: وكان أبيض) (تخريج الدلالات السمعية، ص: 364)، وعن جابر ـ رضي الله تعالى عنه:(أنه كان لواؤه ـ صلّى الله عليه وسلم ـ يوم دخول مكة أبيض) (رواه أبو داود 2/ 31)، وفي (المقتفى من سيرة المصطفى، ص: 99) وقال:(وألوية بَيْضَاء رفيعة الجناب ..).

2 ـ الأسود: روي عن أنس وعائشة:(كان له ـ صلى الله عليه وسلم ـ لواء أسود) (نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار 2/ 290)، وذكر صاحب (السيرة الحلبية 3/ 122) في دخول رسول الله مكة اللواء الأسود ومما قال:(وقيل دخل ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى رأسه المغفر، .. ورايته سوداء ولواؤه أسود)، وذكر ابن جماعة في (مختصر السير، في باب سلاح رسول الله):(أنه كان له لواء أسود)، وفي (المختصر الكبير في سيرة الرسول، ص: 128):(كَانَت ألويتُه بِيضًا وَرُبمَا جعل فِيهَا الأَسود).

3 ـ الأغبر: رُوي عن مجاهد أنه قال:(كان لرسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ لواء أغبر) (مختصر سنن أبي داود للمنذري، ت: حلاق 2/ 172)، وفي (شرح صحيح البخاري لابن بطال 5/ 141) مثله، وذكره ابن جماعة في (مختصر السير) .. وغيرهم، ومعنى الغبرة: لون الأغبر، وهو شبيه بالغبار.

وأخيرًا .. فإننا نتحدى برسولنا العظيم الذي حفظ الله لنا عنه كل شيء حتى أسماء أدوات حربه أداة أداة، فمن يضاهيه في عظمته ومكانته وحكمته، فالحمد لله الذي جعلنا من أمته .. فاللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك عليه.

[email protected]*