هلال بن حسن اللواتي:
تكثر في القرآن الكريم آيات حول ما تحمله التقوى من آثار على متلبسها، وهي متنوعة متعددة، من قبيل:

قال تعالى:(وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (البقرة ـ 189)، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) (الطلاق ـ 5)، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ، لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ) (الحجر 45 – 48)، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ، فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ) (الطور 17 ـ 20).

ومثل هذه الآيات كثير، إذ تبين جزاء المتقي، ولكن لأول وهلة قد يظن الظان أن الآيات تتحدث عن ذات المنزلة والمقام ولكن بلحاظات مختلفة، وبحيثيات متنوعة، إلا يرد احتمال آخر وهو: أن كل هذه الآيات وشبهها تتحدث عن مقامات مختلفة للمتقين وحسب درجاتهم ومراتبهم، وبما أن مراتب التقوى كثيرة فإن ما سوف يترتب لكل مقام سيناسبه، الأمر الذي يدفع الإنسان إلى طلب المراتب العليا، والى التزود من التقوى بتلك المراتب والدرجات والمقامات ما أمكن.

ولكن يرد تساؤل مهم وهو: ما علاقة التقوى بحياتي الدنيوية، وما أطمح فيه من الحياة الكريمة العزة والغنى وغير ذلك من الصفات الحميدة؟، الجواب: إن القرآن الكريم في الحقيقة يقدم في كل مفاهيمه التي اصطبغت بالصبغة الدينية حياة كلها سعادة ورقي وعزة وغنى، ففي كل ما يقدمه الإسلام من المفاهيم الجميلة كمالات عالية وجميلة، وهي غير مقتصرة على الحياة الأخروية وإنما تشمل الحياة الدنيا أيضًا، ولأن الكثير في غفلة عن هذه الحقائق لسبب ولآخر فإن هذه الحقيقة حاضرة بقوتها وجمالها وكمالها في النص القرآني وبوضوح تام، فعندما نجد في القرآن الكريم هذه الآية المباركة، قال تعالى:(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل 5 ـ 7)، فإن الآيات الكريمة في مقام بيان العلة ومعلوها، فقوله تعالى::(فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) هي علة أساسية، وكأنها العلة التامة، والسبب الوحيد لأجل حصول نتيجة وهي كأنها حتمية، وهي:(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، وهنا يرد هذا التساؤل: هل هذه النتيجة ناظرة إلى الحياة الأخروية أم أنها تقصد العالم الدنيوي فقط، أم أنها تشملهما معًا؟، الجواب: فأما أن يكون منحصراً بعالم دون آخر يحتاج إلى دليل خاص، لأن نص الآية المباركة نص مطلق، وإطلاقه يدفعنا إلى القول بأن الإنسان إذا ما اعطى واتقى وصدق بالحسنى فإن الله تبارك وتعالى سوف ييسر عليه كل عسير، سواء كان هذا العسير في حياته الدنيوية الفردية والاجتماعية، أو كان في الحياة الاخروية، فإن طبيعة التقوى هي أنها ترفع العسر عن الإنسان المتقي أينما وجد وكيفما كان، أجل إنه الضمان الإلهي.

* كاتب عماني