محمود عدلي الشريف:
أيها المؤمنون .. أحباب الله ورسوله .. نكمل مسيرتنا المباركة في سلسلة (ممتلكات رسول الله ومقتنياته) .. واليوم نشاهد أفراسه وأحصنته ـ فداه نفسي صلوات ربي وسلامه عليه.

فقد كان (صلى الله عليه وسلم) يحب الخيل ويستبشر بها، وقد مدحها (صلى الله عليه وسلم)، ففي (صحيح مسلم 3/ 1493):(عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسٍ بِإِصْبَعِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: الْخَيْلُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْأَجْرُ وَالْغَنِيمَةُ)، وقد يبادر إلى أذهان البعض منا سؤال يصر على أن يتكلم، وبعد الاستماع إليه نجده يقول: لماذا سمى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفراسه وأحصنته؟ والإجابة على هذا السؤال تتقهقر بنا إلى الوراء حيث التاريخ، وإذا بنا نقف عند (سنن أبي داود، ت: الأرنؤوط 4/ 207) حيث يقول:(وتسمية الدوابّ شكل من أشكال العرب وعادة من عاداتها، وكذلك تسمية السلاح وأداة الحرب). وجاء في (شرح صحيح البخاري لابن بطال 5/ 60):(قال المهلب: فقه هذا الباب جواز تسمية الدواب بأسماء تخصها غير أسماء جنسها، لها من الأسماء مثل ما لبنى آدم، يميزوا بها بين أعيانها وأشخاصها، إذ الأسماء إنما هي أمارات وعلامات).

ويوضح ذلك أكثر ما جاء في (شرح السنة للبغوي 8/ 223):(قَالَ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ: إِنَّمَا يُرَادُ بِتَسْمِيَةِ مَا وَصَفْنَا فِيمَا نَرَى إِيجَازُ الْكَلامِ، لأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ فِي مَرْبَطِهِ الْخَيْلُ الْكَثِيرَةُ، وَالسُّيُوفُ الْكَثِيرَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ، فَإِذَا طُلِبَ بِاسْمٍ يُعْرَفُ بِهِ كَانَ أَوْجَزَ وَأَخَفَّ مِنْ أَنْ يُطْلَبَ بِالاسْمِ الْجَامِعِ، فَيُقَالُ: أَيُّهَا؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ ذَلِكَ الاسْمَ، فَيَكُونُ أَيْمَنَ لَهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَمَّى بَغْلَتَهُ الدُّلْدُلَ، وَهُوَ طَائِرٌ، وَحِمَارَهُ الْيُعْفُورَ وَهُوَ وَلَدُ الظَّبْيَةِ، وَسَمَّى بَعْضَ خَيْلِهِ ..)، وظهر هذا جليًا في تسميته لمقتنياته وممتلكاته، ومنها ما نحن بصدده من خيوله (صلى الله عليه وسلم).

والجدير بالذكر أنه (عليه الصلاة والسلام) كان لديه كثير من الأفراس والأحصنة كعادة العرب، اختلف في عددها ففي (الموسوعة القرآنية 1/ 292):(وأما خيله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكانت سبعة)، وفي (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 262):(وجملة أفراسه سَبْعَة، وَقيل: خَمْسَة عشر)، وفي (فيض القدير 5/ 177): (وجملة أفراسه سبعة متفق عليها)، وقيل: كانت له أفراس أُخَر خمسة عشر جمعها ابن جماعة في بيت فقال:(والخيل سكب لحيف ظرب .. لزاز مرتجز ورد لها أسوار)، وذكر صاحب (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 14/ 146):(أَنه كَانَ للنَّبِي ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فرسًا، كل وَاحِد مِنْهَا كَانَ مُسَمّى باسم مَخْصُوص معِين)، وقال في موضع آخر:(كَانَ للنَّبِي ـ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ـ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ فرسًا مِنْهَا سَبْعَة مُتَّفق عَلَيْهَا، والبقية مُخْتَلف فِيهَا) (المرجع السابق 13/ 182).

والخروج من الخلاف: أنه من الممكن أن يكون له (صلى الله عليه وسلم) كل تلك الخيول، واشتهر منها ما وافق موقفا خلده التاريخ من مشاهد الحرب أو السفر، ولم تشتهر باقي خيوله ربما لأنها لم توافق موقفًا كمن ذكر، وهناك رأي آخر ذكره صاحب (كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 285) فقال:(وَبَعض الروَاة جعل الاسمين لفرس وَاحِد).

وسأذكر لكم تلك الخيول بمن اشتهر منها ومن لم يشتهر كما ذُكرت في الكتب، والله من وراء القصد:

1 ـ السكب: عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ:(كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَرَسٌ يُدْعَى السَّكْبُ) (تركة النبي، ص: 96)، و(سُميّ بِهِ لِكَثْرَة جريه) (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 262)، وسماه صاحب (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 22/ 164):(وكان فرس أدهم يسمى الكب)، (وأدهم: أي أسود)، قال الزمخشري: وأصل السكب: الصب، فاستعير لشدة الجري، وقيل: هو بالتحريك سمي بالسكب وهو شقائق النعمان، وقيل: بالتخفيف لكثرة سائله وهو ذنبه، وعند ابن سعد: هو أول فرس ملكه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ابْتَاعه بالمدينة، من رجل من بني فَزَارة بعشرة أواقي، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس، فسماه رسول الله: السكب، وأول ما غزا عليه أُحدًا، وكان أغر محجلًا طلق اليمين كميتًا، وفي (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 17/ 509):(وَهُوَ أول فرس سَابق عَلَيْهِ فَسبق وَفَرح الْمُسلمُونَ بِهِ) (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4/ 158).

2 ـ اللِزَاز: بكسر اللام وبزايين لتلززه واجتماع خلقه، وبالشيء لزق كأنه يلتزق بالمطلوبات لسرعته، وذكر ابن الجوزي: أن لزازًا أهداه لرسول الله المقوقس. وعند السهيلي: كان معه في المريسيع، وذكر بن بنين النحوي:(وكان تحته ببدر. وفيه نظر لأن هدايا المقوقس لم تأت إلا بعد سنة ست) (فيض القدير 5/ 177) .. وغيره.

3 ـ الظَرِب: ذكره صاحب (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 262) بقوله:(كَانَ لَهُ فرس يُقَال لَهُ الظرب، بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء)، وفي (عمدة القاري شرح صحيح البخاري 13/ 182):(أهداه لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو عَامل البلقاء لقيصر الرّوم)، وأكده صاحب (الموسوعة القرآنية 1/ 293) بقوله:(الظرب أهداه له فروة بن عمرو الخذامي)، وفي (تاريخ دمشق لابن عساكر 4/ 227):(أهداه له ربيعة بن أبي البراء)، وذكر أبو سعيد النيسابوري في (شرف المصطفى):(أنه كان لجنادة بن المعلى المحاربي)، وذكر صاحب (كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 285) مثله.

4 ـ السَبْحَة: لقد اختلف المؤرخون حول اسم هذه الفرس، فمنهم من قال إنها سبحة (وسَبْحَة: وَهُوَ الَّذِي سابقَ عَلَيْهِ فسبَق، ففرِح بِهِ) كما في (المختصر الكبير في سيرة الرسول، ص: 136)، وفي (عيون الأثر 2/ 389) ـ سبحة ـ مِنْ قَوْلِهِمْ:(فَرَسٌ سَابِحٌ. إِذَا كَانَ حَسَنَ مَدِّ الْيَدَيْنِ فِي الْجَرْيِ، وَسَبْحُ الْفَرَسِ جَرْيُهُ)، وذكر صاحب (الموسوعة القرآنية 1/ 293):(سبب تسميتها (سبحة) لأنها ـ كانت فرسًا شقراء، اشتراها ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أعرابي)، ومنهم من قال: إنها (سَبْخَةٌ)، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ:(أُرْسِلَتِ الْخَيْلُ زَمَانَ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ، فَلَمَّا رَجَعْنَا قُلْنَا: لَوْ مَرَرْنَا بَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَسَأَلْنَاهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَلْ كُنْتُمْ تُرَاهِنُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لَقَدْ سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا سَبْخَةٌ، فَجَاءَتْ سَابِقَةً، فَهَشَّ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَأَعْجَبَهُ) (تركة النبي، ص: 98)، وأكده الدار قطني في (سننه 4/ 301) عن أنس: (كانت له فرس يقال لها: سبخة..)، ومنهم من قال: إن اسمها سنجة: ففي كتاب (وسيلة الإسلام بالنبي عليه الصلاة والسلام، ص: 120):(وَفرس الْيُمْنَى اسْمهَا سنجة).

5 ـ المُرْتَجِز: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَ:(كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَرَسٌ يُدْعَى الْمُرْتَجِزُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنِ الْمُرْتَجِزِ؟ فَقَالَ: هُوَ الْفَرَسُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي شَهِدَ لَهُ فِيهِ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَانَ الْأَعْرَابِيُّ مِنْ بَنِي مُرَّةَ، يَعْنِي حَيْثُ جَاءَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَالْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمْ أَبِعْكَ الْفَرَسَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَرَجَعَ عَنِ الْبَيْعِ وَرَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ لَهُ: قَدْ بِعْتَنِيهِ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: مَنْ يَشْهَدْ لَكَ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لِخُزَيْمَةَ: كَيْفَ شَهِدْتَ بِهَذَا؟ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ كُلَّ مَا قُلْتَ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، فَجُعِلَتْ شَهَادَةُ خُزَيْمَةَ كَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) (تركة النبي، ص: 96)، (مختصر سنن أبي داود للمنذري 2/ 517)، وهذا الأعرابي: هو سَواء بن الحارث، وقيل: سواء بن قيس المحاربي، ذكره غير واحد في الصحابة، وقيل: إنه جحد البيع بأمر بعض المنافقين)، وذكر الرشاطي:(أن المرتجز أهداه له عصيم بن الحارث بن ظالم المحاربي فأثابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناقة تدعى القرعى) (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 17/ 509)، و(سُمّي به لحسن صهيله مأخوذ من الرجز الذي هو ضرب من الشعر) (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 22/ 164)، وقد اختلف حول لونه، فذكر صاحب (عون المعبود وحاشية ابن القيم 10/ 21):(المرتجز: وَكَانَ أَشهب)، وفي (التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 261):(وقيل: كَانَ أشقر: أَي أَحْمَر فِي حمرته صفاء)، وأيد هذا صاحب (فيض القدير 5/ 176):(كان له فرس أشقر يُسمّى المرتجز)، وفي (نيل الأوطار 5/ 202):(وَكَانَ أَبْيَضَ ..) وأيد هذا الاسم صاحب (الموسوعة القرآنية 1/ 293) :(المرتجز: كان أبيض .. الحديث).

ويتوالى الحديث بإذن الله تعالى عن باقي أحصنة رسول الله وأفراسه .. فصلوا عليه.

[email protected]*