محمد بن سعيد الفطيسي:
التوجيهات السامية الأخيرة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق "أعزَّه الله" بخصوص التركيز من جهة، والتوسع من جهة أخرى على ما يطلق عليه بالدبلوماسية الاقتصادية (1) أو الدبلوماسية التجارية كما كانت تعرف سابقا، تؤكد أن السلطنة ماضية في السير باتجاه التغيير والتجديد النوعي حيال مختلف التوجُّهات والسياسات الوطنية لما فيه خير ورفعة عُمان وشعبها، خصوصا تلك المتعلقة بالسياسات الاقتصادية في سياق رؤية عُمان 2040.
نقل هذه الرؤية وتلك التوجُّهات السامية سعادة وكيل وزارة الخارجية العمانية للشؤون الدبلوماسية، حيث قال سعادته "بأن السلطنة تعمل الآن على تغيير الثقافة لدى العاملين في السلك الدبلوماسي من أجل التعاطي بتخصصية مع مهام الدبلوماسية الاقتصادية، وأن التوجيهات السامية لجلالة السلطان ـ حفظه الله ورعاه ـ لسفراء السلطنة والدبلوماسيين، هي التركيز على العمل الاقتصادي المتمثل في جلب الاستثمار والترويج للسياحة".
شد انتباهي في التصريح السابق قوله "تغيير ثقافة العاملين في السلك الدبلوماسي" الأمر الذي يوحي للوهلة الأولى أن هناك نظرة بعيدة المدى وإعادة نظر في الفكر السياسي العماني من حيث التوجُّه النوعي لما يتلاءم ومتطلبات المرحلة الوطنية القادمة بخصوص استثمار جانب العلاقات الدولية والسياسية في العمل الاقتصادي، وليس ذلك على مستوى الأفكار والسياسات فقط، بل وحتى على مستوى تغيير ثقافة الأفراد وتنمية مهاراتهم فيما يتعلق بجوانب تسهم في تعزيز مكانة الأمة الوطنية.
لعل لسان البعض يقول إن مثل هذه التوجُّهات يفترض أن تكون جزءا لا يتجزأ من أي دبلوماسية وطنية، وكان من المفترض أن هذا النوع من الدبلوماسية قائم ويعمل به منذ عقود، وهو أمر لا شك صحيح، خصوصا أن العمل الدبلوماسي لا ينفصل في العديد من توجُّهاته عن الأهداف الاقتصادية والتجارية، كما هو حال الجوانب الأمنية رغم أن الأساس في العمل الدبلوماسي هو الشق السياسي.
على أن السلطنة بالفعل كانت تعمل على هذا النهج منذ عقود عبر العديد من أساليب العمل الدبلوماسي القائم على الترويج للسلطنة في العديد من الجوانب كالسياحة والاستثمارات والتجارة الخارجية، أما التوسع والتركيز والتعاطي الراهن مع تخصصية مهام الدبلوماسية الاقتصادية فهو جانب سيمكِّن السلطنة من العمل بشكل أكثر منهجية، خصوصا دعم المنشآت والمؤسسات الوطنية دوليا، لا سيما الصغير منها والمتوسطة، بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية والترويج للمصالح الاقتصادية الوطنية في الخارج، يضاف إلى ذلك تعزيز الجانب الاقتصادي في الزيارات واللقاءات الدولية المختلفة وعلى مختلف المستويات، وتنمية الحوار بشكل منتظم مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين الدوليين.
أمر آخر يجب التعاطي معه بحرص واهتمام في هذا السياق كذلك، وهو أن الدبلوماسية تعمل على ما نطلق عليه بتوسيم الأمة الوطنية (2)، لذا يمكن التأكيد على أن الدبلوماسية الاقتصادية ستعمل في هذا الجانب على قضايا مثل جعل الدبلوماسية العمانية أكثر استراتيجية وتخصصية، كما أنها ستعمل على توحيد أهداف الاتصال الموجَّه للجماهير الخارجية أو الأجنبية، خصوصا تلك العاملة في جوانب الاقتصاد والتجارة والاستثمارات.
كما ستعمل على تعزيز تنافسية الأمة الوطنية على المستوى الدولي، وإن كان من توصية في هذا الجانب خصوصا فهي العمل على قياس ردود الأفعال الوطنية والدولية تجاه الجهود الدبلوماسية خلال الفترة القادمة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي من خلال أدوات القياس المستخدمة في أبحاث التسويق، يضاف إلى ذلك التسويق للعمل الدبلوماسي نفسه في الجانب الاقتصادي إعلاميا عبر مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية، خصوصا جانب الإنجازات والنجاحات التي ستتحقق عبر ما يطلق عليه بالدبلوماسية الاقتصادية، مع ضرورة الحرص التام على تعزيز جانب مهارات وتنمية قدرات العاملين في السلك الدبلوماسي نظريا وعمليا عبر برامج وندوات تخصصية.
ـــــــــــــــــــــــــ
1- تعرف الدبلوماسية الاقتصادية بأنها "استخدام أشخاص القانون الدولي للطرق والأسالیب الدبلوماسية، وكذلك الوسائل الاقتصادیة والسياسة التجارية والمالية والتقنية من أجل بلوغ أهدافها، وتوفير الضمان لتأمين المصالح الاقتصادیة الخارجية، وتحقیق تطور في الاقتصاد القومي" المرجع: د. عماد حبيب، الدبلوماسية الاقتصادية، دار المرساة، اللاذقية، ط1/ 1996، ص 6
2- لمزيد من التوسع حول هذا الأمر انظر: محمد سعيد الفطيسي، التوجُّهات الكبرى في بنية النظام العالمي وتأثيرها على المبادئ الأمنية الموجهة للسياسة الخارجية العمانية، المطلب الثاني: مرحلة توسيم السياسة الخارجية العمانية(1974-1980) مكتبة الضامري، السيب/ سلطنة عمان، ط 1/ 2018م، ص 84-89