د.خصيب بن عبدالله القريني:
لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتسلية وتضييع الوقت، ومتابعة الأخبار والأحداث الجارية، بل تعدت هذه المرحلة إلى مرحلة أوسع ودور أكبر على مستوى غالبية دول العالم، حيث أضحت منبرا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا يطرح مختلف القضايا المجتمعية، ويتفاعل معها، بل ويضع الحلول المناسبة لها ويقترح البدائل الممكنة لمعالجتها بطرق إبداعية، نتيجة عدم احتكار هذه الأفكار ضمن فئة معيَّنة، فالكل متاح له طرح فكرته بغضِّ النظر عن وظيفته ومستواه الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي. ومن هنا ظهر الإبداع حيث لا حدود للأفكار المطروحة، حيث لا واسطة في اختيار من يطرح الحلول، حيث لا وقت مجدْولا ومحددا للرد والتفاعل، حيث لا مكان يمنعك من قول ما تود قوله.
في اعتقادي الشخصي أن هذه الحرية (وإن كانت توصف بأنها غير منضبطة في أحايين كثيرة) التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي وفق المحددات التي ذكرتها هي التي أعطتها القوة في التأثير بعيدا عن النمطية التي كانت وما زالت سائدة في وسائط الإعلام التقليدية، وفي الجهات التي حددتها الحكومة لمتابعة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ومحاولة إيجاد الحلول لها، خصوصا تلك المرتبطة بالمجالس النيابية وما يدور في فلكها.
استنتجت هذا التأثير وأنا أتابع خلال الفترة الماضية البيانات التي تصدرها الوزارات والدوائر الحكومية والخاصة للرد على قضايا ومعلومات تم طرحها في كثير من وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة، وكيف أصبحت هذه الوسائط الحديثة أيضا مصدرا للتغيير والتطوير حتى ولو تأخر بعض الشيء، ولكن وجود فعل ورد فعل هو في الواقع ظاهرة صحية تنبئ عن نتائج إيجابية في المستقبل المنظور، كما أن اهتمام هذه المؤسسات بالرد يصب في النهاية في خانة التعاطي الإيجابي مع الواقع وهذا بحد ذاته تطور يحسب لصالح هذه المؤسسات، بدل أن تضع رأسها في الرمال كما هو شائع سابقا، كما أن قدرتها على الرد يعطي انطباعا بأنها تعمل على التغيير والتطوير على الأقل وفق إمكاناتها المتاحة، كما أن هذا الطرح عبر هذه الوسائط وغيرها يدعم توجُّهات لدى متخذي القرار فيها عند مطالبتهم بحل هذه الإشكاليات، ولكن يعانون من عدم قدرتهم على إيجاد مبررات لذلك، خصوصا مع الجهات الأخرى ذات العلاقة.
إن قدرة هذه الوسائط على تحريك المياه الراكدة وقدرتها على جعل هذه المؤسسات تتفاعل معها هو إنجاز يحسب لهذه الوسائط في وقت عجزت الجهات المناط بها هذه المهمة بالقيام بهذا الدور،وفي وقت ظهر جليا تغير موازين القوى لصالح هذه الوسائط كان لزاما علينا إعادة التفكير في أدوار جهات مثل المجالس البلدية مثلا التي لم تحقق الإضافة المطلوبة خصوصا في هذا المجال وغدت وسائط التواصل الاجتماعي أكثر قدرة منها ومن غيرها من الوسائط التقليدية في إحداث الفارق، وإيصال هذه المشكلات وحلولها لجهات الاختصاص.
إن قدرتنا على الاستفادة من هذه الوسائط في تطوير منظومة العمل الإداري والمجتمعي هي ما تدعو له وتعمل على تسهيله الثورة الصناعية الرابعة وتطبيقاتها، وحري بنا أن نستفيد من كل هذه الإمكانات لغد أفضل وأجمل، وأن نعمل على التخلص من كل ما من شأنه أن يعرقل هذه المسيرة ويكون مجرد حجر عثرة في سبيل التطور، فلا مكان هنا إلا للإبداع في كل شيء، فليس مهما طرح المشكلة بقدر أهمية طرح حلول واقعية لها، كذلك أهمية السرعة في تناولها وإعطائها المساحة الكافية من التحليل والنقد بحيث يكون الطرح متكامل الأركان ومتسقا مع ما يود أصحاب المشكلة طرحه.