مسقط ــ «الوطن»:
صدر عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الجزء الأول من كتاب (ملامح من تاريخ وحضارة مدينة نزوى)، ضمن المجلد الأول من السلسلة التاريخية والحضارية للمحافظات والمدن العُمانية، ويسلط الكتاب الضوء على الدور الحيوي الذي قامت به نزوى في التواصل الحضاري مع العالم، وتوضيح المكانة التاريخية بمختلف جوانبها للمدينة، إلى جانب التعرف على مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية فيها، وإبراز إسهاماتها الثقافية والفكرية. يقع الكتاب في 371 صفحة ويضم 20 ورقة بحثية موزعة على محورين، هما الموقع الجغرافي والمكانة التاريخية، وملامح من الحياة الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى ملحق وثائقي مكثف يدعم موضوعات البحث من أرشيفات هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.

ويعد هذا الإصدار حصاد أبحاث ودراسات قُدِّمت في ندوة تاريخية متخصصة تحت عنوان: «نزوى تاريخ وحضارة»، نظمتها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية 2015م في إطار اختيار مدينة نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية، وبالتنسيق مع وزارة التراث والثقافة (سابقًا).
وفي مقدمة الكتاب يقول سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إن هذا الإصدار يبرز الجوانب الحضارية والتاريخية لإنجازات الإنسان العُماني على مر العصور من خلال البحوث والدراسات المتخصصة في مجال التاريخ والثقافة والاقتصاد والسياسة والآداب وغيرها، وذلك وفق منهجية عمل اعتمدتها الهيئة لغرض إجراء مزيد من البحث المعمق في المصادر الأساسية المعتمدة على الشواهد التاريخية المختلفة، بما في ذلك المخطوطات والوثائق والخرائط وغيرها؛ للكشف عن الحقائق المدعومة بشواهد الإثبات التاريخي، ووضع المحاور والاستدلالات لمسار البحوث ومنهجيتها. ويضيف سعادته أن الهيئة نظمت ندوة تاريخية متخصصة تحت عنوان “نزوى تاريخ وحضارة”، خلال المدة (2-4 نوفمبر 2015م) في إطار اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، وبالتنسيق مع وزارة التراث والثقافة (سابقًا). ووضح أن هذه الندوة هدفت إلى الكشف عن الجوانب التاريخية والحضارية لعدد من المدن العُمانية التي شهدت خلال الحقب التاريخية أحداثًا، وأسهمت بدور فاعل في مجريات التاريخ العُماني ومسيرته، فأضحى بعضها عواصم لعهود تعاقبت خلالها نظم حكم من أئمة وسلاطين، وشكلت منارة علم يقصدها العلماء والمتعلمين، والقادة والساسة وغيرهم. وتصدرت نزوى بجانب مدن أخرى صدارة المدن التي حفل بها المؤرخون وكتب التاريخ، ولهذه الغاية فإن أوراق العمل والموضوعات الواردة في دفة هذا الإصدار تحكي جانبًا من جوانب تاريخ نزوى، ويظل باب البحث والتعمق في تاريخ وحضارة مدينة نزوى مفتوحًا ومتاحًا للباحثين والدارسين.
من جانبها قالت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية المديرة المساعدة لدائرة البحوث والدراسات بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية إن هذا الإصدار يأتي مؤسسا ومدشنا للسلسلة التاريخية والحضارية للمحافظات والمدن العُمانية، وهو ترجمة لرؤية هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية المتمثلة في حفظ التاريخ العُماني العريق، كما وينسجم مع أهدافها الاستراتيجية في تشجيع البحث العلمي في المجالات الحضارية المختلفة. وأضافت أن الجزء الأول من كتاب: (ملامح من تاريخ وحضارة مدينة نزوى) يعد باكورة أعمال هذه السلسلة، والتي ستتبعها أعمال قادمة بإذن الله يجري العمل عليها حاليًّا، حيث ضم الكتاب 20 ورقة بحثية قيّمة وقد جاءت الأبحاث متنوعة من حيث الموضوعات والمصادر والمناهج البحثية؛ مما يُعطي ثراء علميا للكتاب، كما يجري العمل حاليًّا على الجزء الثاني من الكتاب، والذي سيضم 17 بحثًا يدرس جوانب مختلفة من الدور الثقافي والفكري الذي قامت به مدينة نزوى في فترات تاريخية مختلفة. تجدر الإشارة إلى أن تقديم الكتاب احتوى على مدخل للموضوعات التي تناولتها الأبحاث والدراسات المقدمة في الندوة، ونبذة تعريفية مختصرة لكل الأبحاث العشرين المنشورة في الجزء الأول من هذا الإصدار منها (الدور الحضاري لنزوى منذ أقدم العصور حتى قبيل الإسلام) وفيها يبرز الدور الحضاري لنزوى في العصور القديمة من خلال التركيز على بعض الشواهد الأثرية كمقبرة (جبل الحوراء) التي تؤكد على وجود صلات تجارية وحضارية ربطت “نزوى” بغيرها من المواقع والمراكز الحضارية بمنطقة جنوب شرق الجزيرة العربية بصفة خاصة، وبلاد الرافدين ووادي السند بصفة عامة. كما تناول الإصدار (مدينة نزوى، دراسة في أحوالها الحضارية قبل الإسلام) من حيث موقعها واشتقاق اسمها وتاريخ تأسيسها الذي يُقدر بأكثر من 24 قرنا، فتوصلت الدراسة إلى أن مدينة نزوى تُعد واحدة من أقدم المدن في عُمان، وأن تاريخ نشأتها يعود لأكثر من خمسة آلاف سنة، كما أبرزت الدراسة جوانب الحياة الاقتصادية في نزوى قبل الإسلام، كالجانب الزراعي والصناعات الحرفية القديمة التي تعكس تشابها مع صناعات بلاد الرافدين،ويعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وعن (أئمة نزوى في تاريخ عُمان)، تتبعت الدراسة أئمة عُمان الذين تمت مبايعتهم في نزوى منذ عام 177هـ بمبايعة الإمام محمد بن عبد الله بن أبي عفان اليحمدي، وحتى انتهاء إمامة الإمام عزان بن تميم الخروصي في عام 280هـ باعتبارها عاصمة لعُمان خلال الفترة (177- 280هـ)، ثم ناقشت الدراسة اضطراب الأحوال السياسية وتأثيرها على الإمامة في عُمان منذ انضوائها تحت الخلافة العباسية، متتبعة الأئمة الذين تمت مبايعتهم خلال الفترة من 280هـ حتى ظهور اليعاربة. أما فيما يخص (علاقة عُمان بالخلافة العباسية (134-280هـ/ 751- 893م)، المسلّمات والإشكاليات)، تقدم الدراسة قراءة جديدة حول علاقة عُمان بالخلافة العباسية، من خلال دراسة حول الولاة العباسيين على عُمان، ودور آل الجلندى في عُمان في هذه الفترة الزمنية، متضمنة الإجابة عن تساؤل مفاده: كيف أدارت الخلافة العباسية شؤون عُمان؟.
وتناول الإصدار(نزوى عاصمة لعُمان في عام 177هـ، المؤهلات والدوافع والنتائج)، من حيث أهميتها الجغرافية والتاريخية التي أهلتها لاختيارها عاصمة سياسية وإدارية لعُمان، مفنّدة الدوافع التي على ضوئها تم نقل العاصمة من صحار إلى نزوى. كما ناقشت النتائج التي ترتبت على هذا القرار، وأهمها عدم قدرة الطامعين على السيطرة الكاملة على عُمان؛ وذلك للبعد المكاني لمدينة نزوى عن المنافذ البرية والبحرية لحصانتها الطبيعية عموما. وحول (الأسر العلمية النزوانية في القرن 3هـ/ 9م، دورهم الثقافي ومواقفهم السياسية)، وركز الإصدار على إبراز ملامح من الدور السياسي والعلمي والديني الذي أسهمت به بعض الأسر العلمية في الحياة الثقافية بنزوى، من خلال رصد أهم الشخصيات في تلك الأسر ومناقشة أبرز إسهاماتهم، ومن تلك الشخصيات: العلامة الصقر بن عزان، والعلامة الوضاح بن عقبة، والعلامة ابن جعفرالأزكوي وغيرهم. وتطرق الإصدار لـ (مكانة نزوى التاريخية في عهد دولة اليعاربة، دراسة في أحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، من حيث الأهمية العسكرية التي مثلتها مدينة نزوى في بداية عهد اليعاربة في ظل التحولات السياسية التي عاشتها عُمان في تلك الفترة التاريخية، كما ترصد الأهمية الاقتصادية لنزوى، لاسيما في الجانب الزراعي الذي أولاه اليعاربة أهمية خاصة، وتناقش الدراسة أيضًا التغيرات الاجتماعية التي حدثت داخل مجتمع نزوى خلال عصر اليعاربة. أما فيما يخص “مراسلات العلماء حول تنصيب سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي بالإمامة (1123- 1131هـ/ 1711- 1719م)، تركز الدراسة على تحليل رسالة علماء الرستاق واجتماع علماء نزوى عليها، والذين صادقوا على صحة إمامة سلطان بن سيف الثاني، وتركز على بيان أهمية دراسة الرسالة (الوثيقة) في توضيح اللبس الحاصل في انتقال الإمامة من الأب إلى الابن، فأئمة اليعاربة لا يستخلفون أبناءهم للإمامة، إنما يعتمد العلماء على مبدأ الولاية. ويناقش الكتاب (الأهمية السياسية والفكرية لنزوى في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي)، التي حظيت بها نزوى من خلال توضيح الدور السياسي الذي قامت به نزوى خلال عهد الإمام أحمد بن سعيد، ثم ابنه الإمام سعيد، ثم السيد حمد بن سعيد، ثم السيد سلطان بن أحمد في ظل التنافس بين أبناء الإمام أحمد على الحكم. كما تركز الدراسة على ملامح من الحياة الفكرية في نزوى خلال تلك الفترة التاريخية وعلى أبرز مظاهر العلاقة بين نزوى ومسقط خلال الفترة (1331-1378هـ/ 1913-1959م)، وأبرز ملامح العلاقة بين كيانين سياسيين قائمين في عُمان خلال تلك الفترة،واللذين تمثلا في نظام السلطنة القائم على الساحل وتمثله مسقط، ونظام الإمامة في الداخل وتمثله نزوى، من خلال إبراز العلاقة بين الكيانين على المستويين السياسي والاقتصادي. ويقدم الكتاب قراءة تاريخية في الوثائق البريطانية التي ورد فيها ذكر نزوى خلال حقبة الخمسينيات من القرن العشرين حتى معركة نزوى في عام 1957م، حيث تضمنت تقارير ومذكرات القناصل والمسؤولين البريطانيين الكثير من الأحداث خلال تلك الفترة التاريخية المهمة من تاريخ عُمان،(نزوى في الوثائق البريطانية، دراسة لحقبة الخمسينيات من القرن العشرين). كما أبرز الكتاب التراث الأثري المتمثل في فنون العمارة العُمانية في مدينة نزوى التاريخية، من خلال إبراز العمارة الحربية المتمثلة في تحصينات المدينة كالقلاع والأبراج، والعمارة المدنية التي تمثلت في الحارات والأسواق، والعمارة الدينية المتمثلة في المساجد والمدارس والمقابر (المعالم الأثرية لمدينة نزوى التاريخية). ويرصد الكتاب أيضًا بعض الألقاب السياسية الواردة في الوثائق (المنشورة وغير المنشورة) التي تبادلتها دولة الإمامة في نزوى خلال القرن 14هـ/ 20م مع سلطنة مسقط وعُمان، ومع الانجليز، من خلال حصر تلك الألقاب، ثم مناقشة مدلولاتها السياسية واللغوية والاجتماعية والثقافية عمومًا، من خلال ورقة العمل (ملامح من الألقاب السياسية في دولة الإمامة في عُمان خلال القرن 14هـ/ 20م، دراسة وثائقية)، إلى جانب الأرض والزراعة في عُمان من خلال كتاب المصنف للشيخ أحمد بن عبد الله الكندي النزوي (ت: 557هـ)، تتناول الدراسة ملامح من النشاط الزراعي، وطرقه ووسائل الري، والمنتجات الزراعية، وما يرتبط به من أنواع الأرض واستخداماتها المختلفة في عُمان. وفي الأزياء وأدوات الزينة في المجتمع النزوي خلال القرن (2-10هـ/ 8-16م)، يتناول البحث دراسة الأزياء وأدوات الزينة في مجتمع نزوى بجميع فئاته وشرائحه، من خلال تقديم وصف للألبسة واستخداماتها، وكذلك أدوات الزينة واستخداماتها، كالحلي والعطور والكحل والحناء وغيرها، مع إبراز دور البيئة والدين والوضع الاجتماعي والاقتصادي في التأثير على شكل اللباس ونوعه، وكيفية الاهتمام بالمظهر. ويتناول أيضا (الدور الحضاري للأوقاف والأفلاج في ولاية نزوى)، ونبذة تاريخية مختصرة عن تاريخ الأوقاف والأفلاج في عُمان بصفة عامة، وأنواع الأوقاف في تاريخ مدينة نزوى، ونظم إدارتها مع التركيز على أهم الملامح الحضارية لتلك الأوقاف والأفلاج ودورها الريادي في تنمية المجتمع إلى جانب (ملامح التعايش السلمي من خلال جوابات فقهاء مدينة نزوى في عهد اليعاربة). ويبرز الكتاب الدور الذي قام به فقهاء نزوى في إرساء مبادئ التعايش السلمي، وتأثيرتلك المبادئ على التوافق المجتمعي الذي عاشته عُمان في تلك الفترة التاريخية وهو سمة أصيلة في المجتمع العُماني عبر العصور. أما عن (الحياة الاقتصادية في ولاية نزوى في منتصف القرن العشرين)، فيتناول الكتاب دراسة تاريخ نزوى في الجانب الاقتصادي من خلال التعريف بالأهمية الاقتصادية لموقع مدينة نزوى، والأنشطة الاقتصادية التي مارسها سكان نزوى، ودور نزوى كونها مركزا اقتصاديًّا مهمًّا ومؤثرًا في داخلية عُمان إضافة إلى (مظاهر الحياة الاقتصادية في مدينة نزوى، المزاد العلني أنموذجًا)، وفيه تركز الدراسة على إبراز المزاد العلني كونه مظهرًا من مظاهر الحركة الاقتصادية والاجتماعية في مدينة نزوى باعتبارها مرجعًا سياسيًّا واقتصاديًّا مهمًّا لعُمان، من خلال استخدام منهجية التاريخ الشفوي القائم على تدوين ذاكرة المهتمين والمشتغلين بالمزاد العلني كونها مفردة لها خصوصيتها الثقافية. وتناول الكتاب أيضًا الدور الاجتماعي والسياسي للمجالس العامة (السَّبْل) في نزوى (1913- 2012م)، كونها مؤسسة اجتماعية وأهلية لها أهمية وخصوصية في الهُوية الوطنية والثقافية لعُمان، موضحة عدة جوانب: كالمفهوم والموقع، ومصادر التمويل، وطريقة البناء، مع التركيز على الدور الاجتماعي الذي لعبته السبلة في المجتمع العُماني من خلال مناقشة مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية.
الجدير بالذكر أن دار لبان للنشر ستتولى توزيع إصدارات الهيئة داخل السلطنة وخارجها من خلال منافذ البيع أو المعارض المحلية والدولية التي تشارك فيها الدار، وذلك بموجب الاتفاقية الموقعة مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وستتولى دار لبان عرض أكثر من 32 إصدارًا لهيئة الوثائق في مكتبتها بمنطقة غلا الصناعية.