هلال بن حسن اللواتي:

لقد تبين أن التقوى ليست مجرد عنوان ديني اعتباريًا، ليس له أي أثر في الحياة الدنيوية للإنسان سواء كان على المستوى الفردي أو كان على المستوى الاجتماعي، بل له أثر واضح جدًّا، ولهذا يدفعنا هذا الأمر إلى أخذ هذا المفهوم بالاعتبار في حياتنا.

والأمر المذهل في هذا المفهوم التقوى هو أن يساهم في دفع عجل التنمية البشرية إلى الأمام، بل ومن خلال تلكم الآيات القرآنية الشريفة ومن خلال النصوص الشريفة نجد أن تأثير هذا العنوان في كل شان من شؤون التقدم البشرية، وتكمن الخطورة فيما لو أهمل هذا المفهوم، ولم يعر له بالًا، واصبحت الممارسات البشرية على خلافه فإن هناك من النتائج غير السلمية سوف تترتب، وأن هناك ثمارًا سلبية سوف يجنيها الإنسان سواء على مستوى حياته الفردية أو كان على المستوى المؤسساتي، بل وقد يتعدى إلى مستوى المدن أو الدول، وهذا ما نجده مذكورًا في القرآن الكريم، وغياب مثل هذه الحقائق الوجودية عن حياة الأفراد والمجتمعات يقودهم إلى طرق مسدودة عن الهدفية والغاية وعن الوسائل الصحيحة، ومن طبيعة الأحكام الوجودية، وما يعكس الحكمة الإلهية ورعايته بالعباد هو الاكثار من التنبهيات والتوجيهات إلى العباد، وتبيين مصيرهم إذا ما ظل الأفراد والجماعات بالخروج عن صراط العقل والاستقامة، والآن لنتعرف على مثال من الأمثلة القرآنية التي تعكس لنا أثر غياب التقوى على الأمة والمجتمعات.

قال تعالى:(واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف 163 ـ 166)، هذه الآية تتحدث عن قوم كانوا أصحاب رؤس أموال ضخمة، وكانت تجارتهم تعتمد على صيد الأسماك وتصديرها إلى البلدان المجاورة، فكان اهلها من المصدرين للأسماك، وكانوا تجارًا كبارًا، إلا أنهم لما وصلوا إليه من الغنى أصيبوا بآفة الترف، فخرجوا عن صراط الاستقامة، ولهذا عبرت عنهم الآية الكريمة:(بما كانوا يفسقون)، وإذا تصرفهم هذا أثر على جدولة الأسماك، ترى ما علاقة ذلك بالاسماك وجدولتها؟!، ولما غيرت الأسماك الجدول، أرادوا التحايل على الله تعالى، على الشريعة، على الواقع الوجودي، فنفذوا خطتهم على أملهم أنهم استطاعوا خداع الواقع والحقيقة، إلا أنهم كانوا متوهمين، فتحرك القانون التكويني، وإذا بهم يفقدون الصورة البشرية، لأن طمعهم أدى بهم إلى سوء العاقبة.

* كاتب عماني