علي بن سالم الرواحي:

الآية الثانية والعشرون من الجزء الثاني عشر:(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) (الأحزاب ـ 37).

التفسير الإجمالي للآية:

وإذا تقول يا محمد لزيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق - وتبناه أيضاً قبل النهي-: لا تطلق زوجتك وهي زينب بنت جحش واتق الله فيه، وكنت تخفي محبتك لها، وأنْ لو زيد طلقتها كنت سيتزوجها، وقيل: يخفي إرادة زواجه منها، لكن الله أبدى ذلك للناس، وكان يخشى الناس أن يقولوا تزوج زوجه ابنه أو يقولوا أمر مولاه بطلاق زوجه منه ليتزوجها، والله أحق أن يخشاه في أن يتزوجها الزواج الذي أباح الله له، فطلقها زيد، وتزوجها النبي بعد العدة، وفي ذلك تشريع إلهي في عدم الحرج من الزواج بزوجة الدعيّ، وكان قضاؤه في الزواج واقعًا لا محالة، وتشريعه بإباحته مكلفاً به.

* محل الإشكال:

1 - (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ).

2 - (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ).

* سبب الإشكال:

1 - تناقض لسان النبي مع قلبه وهذا لا يجوز.

2 - يخشى النبي الناس وكان عليه أن يخشى الله من باب أولى ولو تعارض مع خشيته للناس.

* حل الإشكال:

1 - الإشكال الأول:

أ - إذا كان المخفي هو محبة النبي لزينب, فهذا لا يتعارض مع قوله لزيد بأن لا يطلق، والحبّ أمر فطري جدًّا، ولا يملك النبي قلبه بنفسه، بل قلبه بيد الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه يتصرف في القلوب ويقلبها كيفما يشاء.

ب - إذا كان المخفي هو رغبة النبي الزواج من زينب مع قوله بعدم تطليقها, فهنا يقع التعارض، ولكن النبي غالب نفسه في قوله لزيد بأن يمسك زوجه, وهذا من الفضائل النبوية الحميدة، ولم يظهر النبي بمظهر البشاعة والطمع فلم يقل: هيا طلقها إن لم تعجبك، إنه كان يخفي ذلك، بل كان عليه السلام في غاية الأدب معه, لكن الله سبحانه أراد أن يظهر الحق بجميع أحواله.

2 - الإشكال الثاني:

لا تعارض في الغالب بين خشية النبي للناس وبين خشيته لله, لكن نبهه الله سبحانه عليه أن يخشى الله أولاً, وإن تعارضتا فعليه أن يخشى الله فحسب, وقد كشف الله مطمعه في أن يتزوج زينب, وكان يود أن يأمر زيد بطلاقها، ويخفي ذلك خشية الناس، كما استجاب لمطلب ربه سبحانه بزواجه منها رغم خشيته أن يقال تزوج زوجة ابنه.

زيد: ولمّا كان المتأثر في القصة زيداً فإن الله شرّفه بذكر اسمه في القرآن وهو الصحابي الوحيد المذكور اسمه في القرآن، وشرّف زينب بأن زوّجها نبيّه الكريم من فوق سبع سماوات.