عادل سعد:
ما الذي يجعل أي اقتصاد موضع اطمئنان، بل وثقة تامة برغم الصعوبات التي يواجهها؟ لا شك أن هناك معايير لتلك الثقة تتعلق جميعها بحيوية هذا الاقتصاد ومدى قدرته على التعاطي مع تلك الصعوبات بالمزيد من المواظبة الإنتاجية ومعالجة الاختلالات البنيوية مهما كان سقف تأثيرها، إن كانت بضغوط خارجية محيطة أو لأسباب تتعلق بالفضاء الذاتي لهذا الاقتصاد وما يمكن أن يعانيه من هفوات في التنفيذ الميداني أو تسرب أصابع فساد هنا أو هناك، أو بكلا الواقعين.
إن خلو أي اقتصاد من اختلالات أمر نادر؛ لأن طبيعة الحركة فيه تفرز بين الحين والآخر إيقاعات غير متجانسة مع الإطار العام، أو ما يمكن توصيفه الخروج على طاعة التناغم مع تباين في النسبة والتأثير الحاصل، وهنا تكمن أهمية المراقبة من أجل الإصلاح قبل استفحال الخطأ وتعقده.
الحال أن الاقتصاد العماني واحد من الاقتصادات التي تتمتع بهذه الخصوصية من الحيوية التي وفرت له القدرة على مواجهة الضغوط المحيطة، أو احتمالات حصول ثغرات نتيجة أخطاء ذات طبيعة ذاتية خلال عمليات الإنجاز، وهي تحصل عادة عندما يكون هناك تباين في التقديرات بين فرضية التخطيط وآليات التطبيق، أو لأسباب تتعلق بالسياقات اللوجستية، أو لأسباب طارئة لم تكن محسوبة أصلًا وجاء حصولها بصورة مفاجئة.
إن رعاية البيئة الاستثمارية هي القاعدة الميدانية التي يعتمدها الاقتصاد العماني، ومن يتابع التسهيلات التي توفرها قوانين الاستثمار بالخصوصية الوطنية، أو الأجنبية يجد أنها تواكب الاستحقاقات التنموية، فتحسين معايير الاستقطاب، وإعطاء أفضليات جوهرية في السنوات الأخيرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومنها المشاريع العائلية أدَّى إلى توسيعات واضحة لبيئة الاستثمار، كما أن إصلاح النظم الضريبية وتطوير قوانين المحاسبة لكي تتلاءم مع المتغيرات الطارئة مَهَّدَ الطريق إلى معالجة المزيد من الضغوط، وقد ظهر ذلك بشكل جلي في نهاية عام الماضي 2020 عندما اتخذت الحكومة سلسلة إجراءات لغرض تمديد فترات السماح في التسديد بدون جدولة فوائد إضافية تكيُّفًا مع الظروف الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، وقد أشرت إلى أهمية تلك التسهيلات الضريبية في مقالة سابقة لي قبل عدة أشهر.
لقد أعطت معايير التدرج التنموي أرجحية متجددة للقدرة على مواجهة الاختلالات بالنسخ المشار إليها منذ انطلاق أول خطة تنموية متكاملة الأبعاد عام 1970، وهكذا تناسبَ المتحقق مع حاجة الحاضر برؤية مستقبلية.
إن إدراك الفرص الجديدة، والمواظبة على الانتباه إلى مقياس المتغيرات يُعدُّ واحدًا من أهم الضوابط التي ساعدت وتساعد الآن على مواجهة تفاقم بعض الحاجات، والعمل على تفكيك ثقلها بما يضمن التصدي لها، ولا شك أن ذلك يدفع إلى رفع سقف التصنيف الائتماني.
لقد غذَّت التنمية التوسيعات المستمرة بمرافئ صلالة، وكذلك الدقم الذي شهد في السنوات الثلاث الأخيرة توسيعا وانسحاب التطور أيضا على موانئ السلطان قابوس وصحار، وخصب، وشناص، وكذلك إعطاء المزيد من الاهتمام لشبكة الطرق بتصنيفها المعروف (وطنية، شريانية، ثانوية، موزعة، محلية) على وفق استجابات هندسية تلبِّي هذه العناوين. لذا حققت السلطنة المركز الأول عربيا والثامن عالميًّا في جودة التعبيد والثاني عشر عالميًّا في الربط بين الطرق، ناهيك عن الحوكمة المعرفية والربط التقني، فقد حققت السلطنة أشواطًا متقدمة بين أقرانها من دول الإقليم العربي.
وبمقاييس الابتكار لفت نظري ـ مثلًا ـ كيف أن الحالة الاستثنائية التي فرضها وباء كورونا دفعت عمانيين إلى تسجيل براءات اختراع لدى المكتب الوطني لتسجيل براءات التابع إلى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ذات طبيعة وقائية لتلبية حاجة البلاد منها، وقد بلغ مجموعها حتى الآن أكثر من 130 براءة اختراع.
الصورة الأخرى لمواجهة المشاكل المستجدة تكمن في قائمة التسويات التي تعالج المشاكل بين العمال وأرباب العمل في إطار معادلة تصون حقوق الطرفين، ويحضرني هنا ما صدر عن (اتحاد عمال السلطنة) في الأيام القليلة الماضية من تسويات قانونية لحقوق العمل، حيث بلغت 184 تسوية ليصل العدد الإجمالي 550 تسوية لمشاكل تتراوح بين خصم أجور أو عدم صرفها وإخطارات بإنهاء الخدمة، وخصم مدة الحجر الصحي من الإجازة السنوية. لا شك أن مثل هذه التسويات تقطع الطريق على أي تلاعب في الحقوق، الوضع الذي من شأنه أن يغذِّي عدالة التنمية البشرية المستدامة.
بخلاصة إجمالية، إن الصعوبات التي تواجه الاقتصاد العماني تظل تحت السيطرة لحيوية المنجز التنموي العام المستمر، ولأن المنظومة الحكومية والمجتمعية عمومًا على بيِّنة منها، وتتعاطى معها بقدرة المتمكن من أولوياته.