جودة مرسي:
منذ أكثر من عقد تنبأ الخبراء الدوليون في نظرتهم لمستقبل العالم أن هناك أزمات ستتسبب في تقلبات عالمية ستؤدي لإشعال الحروب. وكان مما وضعوه في مقدمة الأسباب لهذه الأزمات هو المياه، ولم يفطن النظام العالمي الجديد لوضع آلية تضع حلولا لهذه الأزمات الناتجة عن اختلاف المصالح لكل بلد على حِدة بعيدا عن الإطار الإقليمي لهذه المشاكل، وتتصدر المياه أولى مشكلات المستقبل التي تحدث الخبراء عنها منذ عشرات السنين والتي قتلت بحثًا ونشرًا وتبشيرًا وتحذيرًا، وساهمنا بأنفسنا في الكتابة عنها بأكثر من مقال منذ وضع حجر الأساس لبناء سد النهضة، وقد وصفت أزمة السَّد بأنها الأشد إيلامًا في إفريقيا واختبارًا وتطورًا لمنظمات المجتمع الدولي، وإن لم تتدخل هذه المنظمات بشكل فوري وعاجل سيكون سد النهضة مهددًا بإشعال الكثير من النزاعات بين الدول وليس مصر والسودان وإثيوبيا حصريا، وتأثيره المباشر على حياة الملايين في كل من مصر والسودان دولتي المصب. وبعيدًا عن الأصوات التي تدق طبول الحرب وتدعو إلى ضرب السَّد من جانب مصر استنادًا إلى التسليح الحديث والقوي لجيشها بالتعاون مع السودان، وأن لهما الحق في الحفاظ على شريان الحياة لملايين المصريين والسودانيين، قبل أن تبدأ مرحلة الملء الثانية التي ستدخل الدولتين في مرحلة الشح المائي، وبطبيعة الحال لوقف نشوب هذا النزاع تتجه الأنظار إلى المؤسسات الدولية وما هو موقفها؟ ولماذا لم تتدخل إلى الآن بقرار حازم وملزم بمراعاة حقوق الإنسان في العيش كما في إثيوبيا في مصر والسودان؟!
إن تسلسل الأحداث فيما نشاهده منذ اندلاع أزمة سد النهضة هو شد وجذب إعلامي، ومواصلة إثيوبيا استخدام أسلوب المراوغة لكسب الوقت اللازم للتحضير لمرحلة الملء الثانية للسَّد، فيما تفتقر المؤسسات الدولية إلى إيجاد حلول لموضوع ساخن لهذه الدرجة، مما يضعنا بإصرار أمام سؤال: ما أهمية الهياكل والأنظمة العالمية؟ وما المواضيع التي تدعوها لعقد اجتماعات ومؤتمرات لمناقشات ووضع حلول ملزمة تساعد في حل الأزمات وإطفاء فتيل إشعالها؟ مما دعا الشعوب للشعور بالقلق من أهداف هذه المنظمات الدولية، خصوصا وأن هناك لاعبين جددا يظهرون على المسرح العالمي، وقواعد السلوك الدولي التي كانت مقدسة سابقًا أصبحت هدفًا للتحدي السافر، وتعمل موجة جديدة من المصالح الاقتصادية على وضع الأجندة السياسية وبنود مواضيعها وآلية تنفيذها، وفي محاولة السعي لمعرفة البوصلة التي قد تسهم في إعادة المسار إلى وضعه الطبيعي بإصدار قرارات دولية من منظمات عتيقة تجبر المعتدي على حقوق الآخرين الالتزام بالقواعد الإنسانية أولا؛ لكي لا يتحول العالم إلى غابة وتكثر الأزمات، وما أكثرها التي تحوم حول الكرة الأرضية بشكل عام وإفريقيا بشكل خاص، نجد أننا أصبحنا في حاجة ماسة إلى إشارات ترشدنا إلى الكيفية التي يمكن بها أن تقف هذه المنظمات في الطريق الصحيح لخدمة الإنسانية، مما يتطلب تطور دور هذه المنظمات لتستجيب للطريق الأفضل والأكثر جدوى لمصلحة الشعوب التي من أجلها أنشئت هذه المنظمات. إن مجرد التفكير في التكاليف الإنسانية والمادية والاقتصادية التي ستنتج من هذه الأزمات دون التدخل الدولي ستكون مخيفة وشديدة الخطورة. ويُعيد الاتجاه الحالي نحو الاستعراض الزمني للموقف الدولي لحل أزمة سد النهضة إلى أحداث الماضي مثالًا واضحًا في القضية الفلسطينية. وإلى متى سيظل المجتمع الدولي غائبا وصامتا عن تلك المنظمات، ولا يكون له حضور أو تفاعل إلا في القرارات التي تضر بمنطقتنا العربية فقط، طبقا لأحداث وأفعال لقرارات ورقية صاحبتها أفعال متناقضة استندت إليها المنظمات الدولية وفقا لقواعد وممارسات الماضي المألوفة لمنطقتنا؟
إن أزمة سد النهضة قد تكشف عورات المجتمع الدولي الأكثر إيلاما، أو قد تكون مرحلة لعودة الصواب بقرارات ملزمة لكل الأطراف بما لا ينتقص من حقوق إثيوبيا في التنمية ومصر والسودان في العيش بأمان والابتعاد عن ظلال الشح المائي الذي سيؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها، أقلها التدمير وبلورة فكرة جديدة لصانعي التطرف والإرهاب.