أثبتت الحكومات الإسرائيلية كافَّةً ـ منذ النَّكبة واغتصاب أرفض فلسطين وإقامة كيان الاحتلال الإسرائيلي على أنقاضها ـ أنها حكومات واحدة مهما اختلفت الرموز والشخوص، ولديها برنامج سياسي احتلالي واضح، وكلُّ من يأتي به الإسرائيليون ليرتقي سدَّة الحكومة يجد هذا البرنامج أمامه ولا بُدَّ من أن يعمل بموجبه وتنفيذ ما فيه أجندات عمل تخدم مشروع الاحتلال في فلسطين والإقليم، والذي أقيم من أجل مد أذرعه ليطول التراب العربي بأكمله وليس أرض فلسطين وحدها، حتى إقامة المستعمرة الكبرى المسمَّاة "إسرائيل" اليهودية الممتدَّة من النيل إلى الفرات.
لذلك أن يرحل بنيامين نتنياهو عن حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد اثني عشرة سنة متواصلة ويأتي وجْه جديد ممثَّلًا في نفتالي بينيت أو يائير لبيد ليقود مشروع الاحتلال للكيان الإسرائيلي الغاصب والمدعوم من القوى الغربية ومن المتخادمين معه في الإقليم وخارجه، لا يمثِّل أي أهمية للشارع الفلسطيني ولا للشارع العربي والإسلامي، ولا يضفي أي قيمة أو معنى ـ ولو رمزيًّا ـ للقضية الفلسطينية.
من الخطأ أن يتوهم أي مواطن فلسطيني أو عربي، وبالأخص أي مسؤول فلسطيني أو عربي، أن قدوم بينيت أو لبيد ليحلَّ محلَّ نتنياهو سوف يقود إلى تغيير لصالح القضية الفلسطينية، بل على العكس تمامًا، يجب أن يفهم ويوقن الجميع أن بينيت أو غيره جاء ليكمل ما بناه نتنياهو ومن معه في الحكومة السابقة، بل ويضيف شيئًا جديدًا يحسب له ويعزِّز به وضع الاحتلال الإسرائيلي في أرض فلسطين، وذلك بمصادرة مزيد من الحقوق الفلسطينية لينال الرضا والثقة من قِبل جميع الأطياف الإسرائيلية التي أتت به على رأس الحكومة. لذا لا يمكن أن ينتج كيان الاحتلال الإسرائيلي حكومة سلام، بل كيف يمكن لحكومة خرجت من رحم احتلال غاشم متوحش، يحمل مشروعًا احتلاليًّا لفلسطين وللإقليم ولإثارة الفتن والحروب والمؤامرات، أن توصف بأنها حكومة تغيير ويكون لديها الاستعداد للسلام؟!
ولعلَّ ما يؤكد هذه الحقيقة أن الاستفزازات الإسرائيلية ـ في ظل هذه الحكومة الجديدة لكيان الاحتلال الإسرائيلي بقيادة نفتالي بينيت ـ مستمرَّة ولم تنقطع، فالحصار الخانق والجائر على قطاع غزة على حاله مستمر، وإغلاق المعابر أيضًا مستمر، فقد أكدت وزارة الزراعة في قطاع غزة استمرار منع سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملية تصدير المنتجات الزراعية، وهو ما يُكبِّد مزارعي القطاع خسائر فادحة. فالاحتلال أغلق معبر كرم أبو سالم التجاري قبل أيام من شنِّ العدوان على غزة، واستمر في الإغلاق طيلة فترة العدوان، حيث كان يسمح بتوريد بضائع بصورة جزئية، كما منع تصدير منتجات غزة للسوق في الضفة أو الخارج، ولم تبادر حكومة الاحتلال الجديدة إلى فتح المعبر التجاري كما كان سابقًا، بل أبقت على سياسات الحكومة السابقة تجاه التعامل مع غزة دون أي تغيير.
على الجانب الآخر، وفي مدينة القدس المحتلة تحديدًا، تبدو صورة أخرى من صور الاستفزاز الإسرائيلي، حيث قيام حكومة الاحتلال الجديدة بتأمين ما يُسمَّى بـ"مسيرة الأعلام الإسرائيلية". وكان من المقرر أن تُنظَّم هذه المسيرة الشهر الماضي، في ذكرى احتلال القدس الشرقية وفق التقويم العبري، ولكن جرى تأجيلها إثر العدوان على غزة، ومنذ الساعات الأولى لصباح أمس الأول، بدأت شرطة الاحتلال الإسرائيلي استعداداتها لتحويل محيط البلدة القديمة في المدينة، إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، وبموازاة ذلك، رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي من أهبة استعداده بالضفة الغربية، بعد توجيه الفلسطينيين إنذارات لسلطات الاحتلال بردع هذه الاستفزازات.
إذًا التغيير في الوجوه والأسماء فقط بحكومة الاحتلال الإسرائيلي وليس في السياسات والانتهاكات والعدوان والعنصرية والاستفزازات. فلا فرق أن يزول نتنياهو ويأتي بينيت أو غيره، فكلُّهم سواء.