علي بدوان:
صحيح أن (يائير لبيد) استطاع تشكيل حكومة ائتلافية عريضة، وبالتحالف مع مجموعة من الأحزاب التي باتت تدعى "كتلة التغيير" في "إسرائيل"، إلا أن هذه الحكومة تبقى في وضع "الاهتزاز القلق" فهي حكومة على "البندول" المتراقص. فأي خروجٍ لأي حزبٍ منها يعني تلقائيًّا انفراط عقدها والسير نحو انتخابات جديدة مُبكّرة، وكاملة للكنيست.
الحكومة التي أعلنها (يائير لابيد) نالت تأييد الكتلتين العربيتين في الكنيست: القائمة العربية الوحدة برئاسة منصور عباس. وقائمة الجبهة برئاسة أيمن عودة. وهي من المرات النادرة التي تحظى فيها حكومة "إسرائيلية" بموافقة ومصادقة كتلة عربية عليها في الكنيست. وقد تم تبرير تلك الموافقة العربية من قبل الكتلتين العربيتين، على لسان منصور عباس الذي قال بأن "الحكومة أبطلت مفعول (قانون كومينتس) وهو قانون القومية الذي يمس العرب ومصالحهم". فضلًا عن بلوغ الهدف الأساسي بإسقاط نتنياهو، وإزاحته من ميدان الفعل، باتجاه إنهاء حياته في الميدان السياسي العام للعمل في "إسرائيل".
الحكومة الجديدة، وهي حكومة ائتلافية، عريضة، تُشارك بها مجموعة من الأحزاب على قوس واسع نسبيًّا، تضم في صفوفها مروحة من الأحزاب، من أحزاب اليمين (كحزب يمينا برئاسة نفتالي بينيت)، ويمين الوسط كحزب (يش عتيد) وهو حزب (يائر لبيد) إلى أحزاب ما يُسمَّى بــ"اليسار الصهيوني" كحزب ميرتس وحزب العمل، وصولًا للكتلتين العربيتين اللتين تشاركان في الائتلاف الحكومي حتى لو دون وزراء.
وحقيقة الأمر، أن قوس الحكومة الواسع، قد يُعرضها لمطبات وخلافات وتباينات في المرحلة القادمة، وهو ما أطلقنا عليه مُسمَّى "الاهتزاز القلق"، لكن تفاهم الطرفين الرئيسيين في الائتلاف الحكومي، ونعني بهما: حزب (يش عتيد) برئاسة (يائير لبيد)، وحزب "يمينا" برئاسة (نفتالي بينيت) كفيل بالإبقاء على الحد الأدنى من تماسك الحكومة، وبالتالي تجنب انفراط عقدها، وتفككها.
إن تلك التطورات التي أفضت لقيام الحكومة الائتلافية الجديدة في "إسرائيل" واقتسام رئاسة الوزارة بين (يائير لبيد) و(نفتالي بينيت) بدءًا من (نفتالي)، يتطلب بالفعل سياسات "إسرائيلية" تختلف عن ممارسات ومواقف نتنياهو، الذي كان يعمل دومًا على تسخين الأجواء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وآخرها ما جرى في القدس خلال شهر رمضان المبارك الأخير، وصولًا للعدوان على القطاع والاستخدام المفرط للقوة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وأمام العالم بأسره.
لقد فشل نتنياهو بتشكيل حكومة ائتلافية؛ لأنه كان يريد حكومة يمينية صافية، من حزب الليكود وأحزاب اليمين التوراتي الحريدية، التي ضاقت بها باقي الأحزاب ذرعًا بسبب قيامها بـ"حلب حكومات نتنياهو المتتالية" حتى آخر قطرة، فضلًا عن شروطها الدائمة للحصول على أكبر المكاسب من الميزانية العامة ودعم مؤسسات التعليم الديني، وإعفاء المتدينات من الخدمة العسكرية وما إلى ذلك من مطالب كان يلبيها لها نتنياهو. ومن هنا نستطيع تفسير عامل مهم من عوامل فشل نتنياهو بتشكيل حكومة ائتلافية.
في هذا السياق، إن الحالة العربية الفلسطينية في الداخل المحتل عام 1948، وخصوصًا أحزابها، التي انضوت داخل إطار الحكومة الائتلافية من حيث التصويت لها لتحقيق هدف (شطب قانون كمينيتس) وإسقاط نتنياهو، والقوى العربية خارج إطار الكنيست التي لا تُشارك بالانتخابات أصلًا، معينة معًا من أجل التصدي لكل المحاولات "الإسرائيلية" المتوقعة بشأن التعاطي "الإسرائيلي" المعروف بشأن الموضوع الفلسطيني، واحتمال القيام بمغامرة عسكرية ضد القطاع في ظل الحصار المُدقع المفروض عليه حتى الآن منذ العام 2007. لذلك تأتي أهمية نبذ التباينات الفلسطينية الداخلية بين أحزاب وقوى الداخل المحتل عام 1948، والتوحُّد في وجه الاحتلال، وسياساته، ومنها سياسات تهويد القدس ومصادرة العديد من المنازل في مناطق القدس المختلفة.

كاتب فلسطيني ـ مخيم اليرموك