جَفافٌ ولكنْ من سَرابِكَ مُبْتَلُّ
على نظرةِ الصَّحراءِ يَنكسرُ الظِّلُّ

تُفاوِضُ في رَمْلِ احتراقِكَ فُرصةً
فلا فُرصةٌ لاحتْ، ولا اكترثَ الرَّمْلُ

وَدُونَكَ تَلٌّ لا يُشيرُ لِمَشهدٍ
فكيفَ تَرى إنْ كانَ لا يُبصِرُ التَّلُّ؟!

وأيَّ طريقٍ قد توَخَّيتَ عاقرٌ
وإنْ كانَ قد أغراكَ في حُسنِهِ الشَّكْلُ

وَخَوفُكَ مِنظارٌ تَضيعُ خِلالَهُ
ثُمالةُ نَهْرٍ ظلَّ يَشربُها العَقْلُ

بأيِّ عَصا يا كَفُّ يَنفلقُ الصدى
ليُصبحَ صوتًا ما، بهِ يَغرقُ الجَهْلُ؟

لقد ظَمِئَ المِصباحُ هَيِّئْ صَبابةً
على زيتِها المَصبوبِ يَشتعلُ الليلُ

وأنتَ على عينيكَ مُنهَمِك الجَوى
ولُغزُ البُكا المَعقودُ ما فَكَّهُ حَلُّ

وَحيدًا ولا أهلٌ يُكَفكِفُ حُلْمَهُ
سِوى يَدِ دَمعٍ، سِرُّ لَمْسَتِها أَهْلُ

فيَا فِكرةً للماءِ تُقنِعُ طِفلَها
إذا هَطلتْ، لِلآنِ لم يَقنَعِ الطِّفْلُ

لأنَّكَ مسكونٌ بِشَوقي فَدُلَّني
إلى أينَ هذا السَّعْفُ يُوفِضُ يا نَخْلُ؟!

يُحالفُ ثَغْرَ الرِّيحِ، يُغريهِ صَوتُها
يخِفُّ إذا خَفَّتْ، ويَعلو إذا تَعلو

أنا المُمسِكُ الغَاوي بِعُرجُونِ حُبِّنا
أُضِيءُ لهمْ خِصْبًا، ويُطفِئنِي المَحْلُ

يُقَيِّدُني حَبْلُ الغِيابِ وفي يَدي
تَكَسَّرَ مِقراضي وما انقطَعَ الحَبْلُ

وثقتُ بغِمدِ الصَّبرِ مِنْ نَصْلِ لحظةٍ
فَفَتَّحَ مِصراعَيْهِ فاخترقَ النَّصْلُ

فلا تَكترثْ يا يأسَ كُحْلي لدمعةٍ
لقد هُزِمت يأسًا، وفازَ بكَ الكُحْلُ

على الدَّربِ نَمْلُ الوقتِ يَعدو، فَيَا رُؤى
ويا حُلُمًا لا يَحطِمَنَّكُمُ النَّملُ

وَعُذرًا فَعُذرًا يَبذرُ الصَّمتُ مِلحَهُ
على مُقلةِ المَعنى فلا يَنبتُ القَولُ

إذَنْ آنَ يا صَحراءُ أنْ تَتَسَلَّلي

إلى غَيْميَ الذَّاوي فَقَدْ نَفِدَ الحَقْلُ

يُخيفُكِ يا صَحْرا شبابُ ملامحي
ولكنَّ قلبي في التفاتَتِهِ كَهْلُ

وقد كانَ صَقْرُ العينِ يَملأُ نَظرتي
فأصبحَ هذا الصَّقْرُ في نَظرتي يَخلو

وَظِلُّ غدي المكسورُ يَمشي بلا دَمٍ
لِفَرْطِ الذي في الدَّربِ قد نَزَفَ الظِّلُّ

هشام بن ناصر الصقري