- من الصعب أن يقول الروائي عن روايته بأنها حققت غاياتها مهما ارتفعت مبيعاتها ونالت من عبارات الإعجاب والثناء
- من الظلم أن نعقد مقارنات ما بين النماذج المختلفة من البشر فالصواب والخطأ أمور نسبية

حوار ـ يوسف الحبسي:
- المتتبع للكاتب والروائي الاماراتي عبدالله النعيمي، يحاول أن يكون أكثر اقترابا منه، من خلال كتاباته الروائية التي دائما ما تظهر بصور متعددة ومتنوعة، ولكنها تناقش ما حولها بواقعية مشاهدة، وحين تقترب أكثر، تراه كاتبا لا تغادره الفكرة بسهولة، فهو دائما ما يحاول اقتناصها بحذافيرها، يقدمها للقارئ على أنها قضيته الحقيقية قبل أن تكون حكاية سطرها الكاتب بين دفتي كتاب، له الكثير من الأعمال، من بينها رواية ”اسبريسو" والتي انطلق منها النعيمي وكأنه يقبض على خطوة هاربة إلى البعيد، لكن بحكمة الكاتب استطاع أن يجبر حروفه لتكون رواية متداخلة الأحداث والمسارات. من خلال هذا الحوار حاولنا أن نكون أكثر قربا منه، فكان شفافا في تلقائيته، لا يعرف التكلف أو التصنع، فكان الحديث التالي:

- المتتبع لرواية "اسبريسو" يجد أن ثمة شيئا مغايراً ربما القليل من الكتّاب تطرق له، يتمثل في الفكرة الأولى ألا وهي التغريدة التويترية، والتي أصبحت رواية، كيف استطعت القبض بهذا التصور على الفكرة لأن تخرج رواية؟
- الفكرة كانت مكتملة في ذهني منذ البداية لكن طريقة السرد هي التي اختلفت عن السائد، فالسرد من خلال تغريدات متسلسلة يتطلب من الكاتب اللجوء إلى الاختزال والتكثيف، وهو الأمر الذي ولد اختلافاً عاماً في شكل الرواية بعد إنجازها، فكل تغريدة كان تحمل فكرة جزئية متكاملة الأركان، تكاملت مع التغريدات الأخرى لتكمل الرواية بشكلها النهائي.
- من حيث التركيبة الموضوعية لرواية اسبريسو ما هو المغاير فيها، والذي يعتمد عليه عبدالله النعيمي ليقدمه للقارئ في هذه المرة؟
- في اسبريسو نلاحظ طغيان الحوار الداخلي على الوصف، والاعتماد على لغة سلسة سهلة الاستيعاب، لا تتطلب من القارئ الكثير من الجهد والوقت لإنهائها. وهذا أمر ركزت عليه كثيراً، مراعاة لانشغال الأجيال الجديدة من القراء بمواقع التواصل الاجتماعي وتقنيات الاتصال، نستطيع أن نقول أن اسبريسو هي محاولة لاستعادة شريحة من القراء، الذين لا يجدون الوقت الكافي لقراءة رواية كلاسيكية طويلة.
- تعتمد كثيراً على مناقشة سلوك الذات والحرص على الغوص في حيثيات دقيقة لأبطال الرواية وشخوصها، هذا ما تتبعناه في التفاصيل .. ألا تخاف أن تخوض في متاهات عالقة متداخلة بحيث يصعب عليك الهروب منها إذا ما أردت ذلك؟ كيف تنقل لنا هذه المناقشات؟ وماذا أردت أن توصل للقارئ من خلالها؟
- الروائي بطبيعته يسترسل في الكتابة، ويغوص في الفكرة دون أن يفكر فيما بعدها، وعندما ينتهي من فكرة ينتقل لما بعدها، وفي حال عدم اكتمال فكرة معينة، أو عدم الاقتناع بشكلها النهائي قد يلجأ لحذفها، أو تحويرها إلى فكرة أخرى. التفكير في ما وراء الفكرة، قد يمثل قيداً كبيراً على الكاتب قد لا يستطيع التحرر منه بعد ذلك، لذلك أنا لا أخشى من الغوص في مجاهيل النفس البشرية، لأنه يمثل متعة كبيرة بالنسبة لي، ويساعدني على فهم نفسي وفهم الناس، والقارئ بشكل أو بآخر يشارك الكاتب الغوص، ويشاهد ما يشاهد من منظوره الشخصي، الذي قد لا يتوافق بالضرورة مع منظور الكاتب. وهو أمر متفهم، ولا ضرر منه، ونحن في المجتمع الخليجي بشكل خاص، نحتاج إلى رواية أكثر عمقاً في تشخيص الوقائع البعيدة عن الجوانب الاجتماعية، بحيث نتوجه إلى جوانب علمية ، وسياسية ودينية بحتة.
- متى من الممكن أن نتخلص من الواقع الاجتماعي وأسراره والتوجه إلى جوانب أخرى في كتابة روايتنا؟ وهل يعني إن ارتباط رواية اسبريسو بالواقع الاجتماعي دليل على تأزمنا وتعدد مشاكلنا؟
- من وجهة نظري، أرى أن الرواية الخليجية تطرقت لمختلف المجالات المذكورة، ولكن لكل كاتب اهتمامات معينة، تنعكس على كتاباته.
- كيف تصف ذلك؟
- مثلاً أنا مهتم بالمجال الاجتماعي أكثر من أي مجال آخر، لذلك يظهر ذلك بوضوح في كتاباتي سواء كانت مقالات أو روايات. وهناك كتاب آخرون مهتمون بالمجالات الأخرى وينعكس ذلك على كتاباتهم، وهذا من وجهة نظري يخدم التنوع، ويثري كافة مجالات الإبداع.
- في رواية "البانسيون" هناك نزعة إلى ما قد نسميه الفضائل ، إلى أي مدى حققت البانسيون غايات الفضائل مقارنة بنقيضها؟
- من الصعب أن يقول الروائي عن روايته بأنها حققت غاياتها، مهما ارتفعت مبيعاتها، ومهما نالت من عبارات الإعجاب والثناء، كل ما أستطيع قوله في هذا الصدد، أنها خطت خطوة واثقة وجادة في طريق الفضيلة.
- هل تقول إن رواية البانسيون خرجت من معالجة الواقع الخليجي إلى الشرق الآسيوي؟
- السفر حاضر بقوة في حياة الإنسان الخليجي، ويمثل رافدا مهما لتكوينه الفكري والعاطفي، وبالتأكيد سيظهر في الأعمال الأدبية، مثلما ظهر في لوحات الرسامين، وسيمفونيات الموسيقيين.
- ما هو الجانب المدهش الذي جعل عبدالله النعيمي في رواية البانسيون؟
- الاقتراب الشديد من نماذج غير مألوفة من البشر، رجالا كانوا أو نساء، عربا أو أجانب، مسلمين أو من ديانات أخرى، هذا الاقتراب، والحوار المفتوح على مصراعيه، يمثل متعة للقارئ، وإثراء لمخزونه الفكري.
- ما هي الرسالة التي أردت أن توصلها إلى القارئ الخليجي من أروقة البانسيون؟
- أن الإنسان وليد الظروف التي عاش فيها، لذلك من الظلم أن نعقد مقارنات ما بين النماذج المختلفة من البشر. فالصواب والخطأ أمور نسبية، والخير والشر موجود في جميع النماذج.
- هل نقول نحن في الخليج أننا وصلنا إلى مرحلة التأزم والإنغلاق في التعامل مع بعضنا بعضنا وهذا ما تفرزه أغلب الروايات في الوقت الراهن، وهنا أقصد تعاملنا مع الأنثى؟
- لا، المجتمع الخليجي جزء لا يتجزأ من المجتمع العربي، والإنساني، ويتقاطع معهم في جزئيات كثيرة، فالرجل هو الرجل، سواء كان في نيويورك أو بومبي. والمرأة هي المرأة، سواء كانت في القاهرة أو بيروت. التشابه حاضر أكثر من الاختلاف، وامكانية التوافق كبيرة للغاية. المجتمع الخليجي بدأ قوياً ومتماسكاً، لكنه بفعل النهضة السريعة مر بمرحلة حرق مراحل غير صحية، تسببت في ظهور مشكلات عديدة. لكن مع تزايد الوعي، الأمور ستسير للأحسن. أنا متفائل جداً.
- هل ترى أن هناك اصطيادا لفكرة الربيع العربي في الأدب العربي عامة والخليجي خاصة؟ وما هو تقييمك لفكرة تفاعل الكاتب مع هذه الأحداث؟
- في البداية أنا لا أرى ما حدث في الوطن العربي في السنوات الأربع الأخيرة ربيعاً، بل هو جحيم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فوضى، وعنف، ودمار، وشتات، وهي أشياء لا علاقة لها بالربيع لا من قريب ولا من بعيد. أما بخصوص تناول هذه المرحلة المؤلمة من تاريخ الوطن العربي في الأدب العربي، فهذا الشيء حدث بالفعل، والكثير من الأعمال الأدبية سواء كانت نثراً أو شعراً تناولت هذه الأحداث، وكل أديب عبر عن رؤيته الخاصة لها. ولكن الأمانة الأدبية والأخلاقية تفرض على الكاتب أن يقوم بدور توعوي صادق، يساهم في تعزيز الاستقراروالتنمية، وينبذ الفرقة والعنف.
- في اعتقادك الشخصي هل نحن بحاجة إلى منظومة ثقافية خليجية مثل جمعية الكتّاب والأدباء الخليجيين ؟ وماذا ستضيف لو تحققت على أرض الواقع؟
- لا أعتقد ذلك، فالمؤسسات الثقافية تعاني من انفصالها عن الجمهور، وتقوقع أعضائها على أنفسهم. وهي حالة شبه عامة في العالم العربي. على العكس من المقاهي الأدبية التي تدار وفق معايير السوق، والتي تنجح غالباً في جذب شريحة أكبر من القراء، وتساعد في توسيع وتطوير صناعة النشر والتوزيع، وتساهم في خلق شرائح جديدة من القراء. فالمنتج الأدبي اليوم يختلف عن المنتج الأدبي في الأمس، يجب أن نعترف بهذه الحقيقة، وننظر لها بعين الاعتبار، والقراء الجدد لهم رؤية ومواصفات خاصة تميزهم عن قراء الأمس، والأمسيات التي تعقد في المقاهي الثقافية المنتشرة في الأسواق والمجمعات التجارية تناسبهم أكثر، أي باختصار الثقافة الخليجية تحتاج إلى أن تدار بعقلية السوق، دون المساس بجوهرها الإبداعي طبعاً، ولو نظرنا إلى المجالات الأخرى، سنجد أن السوق خدم الرياضة، وخدم السينما، وخدم الموسيقى والفن التشكيلي، والأدب ليس بمعزل عن ذلك.
- ماذا سنقرأ لعبدالله النعيمي مستقبلاً؟
- عملي القادم سيكون في عام 2016 وسيتناول المرحلة الأخيرة من حياة وليد، وستدور أحداثه في عاصمة أوروبية عتيقة، أقمت فيها لفترة معينة.
- ألا يفكر عبدالله النعيمي بإيجاد رواية أخرى تناقش قضايا الشباب العربي والخليجي؟
- من بعد إغلاق ثلاثية ( اسبريسو، البانسيون، والرواية التي أعكف عليها حالياً ) ، قد أنطلق إلى فضاء آخر مختلف تماماً.
- كيف تقدر مساحة الحرية في روايتك البانسيون؟
- أراها مناسبة، فأنا أميل للغة المهذبة، التي تحترم قيم المجتمع ولا تخدش حياءه، وأميل لأسلوب الإيحاء، الذي يمرر الفكرة إلى القارئ دون الجنوح للابتذال.
- ما مدى قربك من الساحة الأدبية العمانية؟
- تعرفت بزملاء أعزاء من السلطنة الشقيقة في العديد من الملتقيات والمعارض. وأيضاً تعرفت على بعضهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وبدون مجاملة التعرف إليهم مكسب، فالثقافة العمانية أصيلة، ومتفردة، وعميقة الجذور.
- هل هناك كتّاب معينون على تواصل معهم؟
- في الفترة الحالية، التواصل الافتراضي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي طغى على جميع أنواع الاتصال الأخرى، رغم أنه في الحقيقة لا يغني عنها.
- مشروع الكاتب الروائي حسب تصور البعض يحتاج إلى خلوة، بمعنى التفرغ للكتابة، والبعض يرى العكس فتراه منهمكاً بالعمل والانشغال بأحداث الناس وتفاصيلهم والتواصل معهم، أين هو الروائي عبدالله النعيمي من هذا كله؟
- في المنتصف تماماً !، فالقارئ يحتاج إلى مخالطة الناس في مختلف مجالات الحياة لإثراء مخزونه الفكري والمعرفي والعاطفي والتصوري، لكنه في وقت الكتابة يحتاج خلوة، لذلك الإجازات تفي بالغرض.