محمد بن سعيد الفطيسي:
لا شك أن تجربة السلطنة مع التعليم المهني والتقني، سواء كان ذلك في مرحلة ما قبل الجامعة (المدرسة) أو المرحلة الجامعية ليست بالتجربة الجديدة، فهي تعود إلى فترة الخطة الخمسية الأولى (76-1980) للنهضة العمانية حيث تم "إنشاء مدرستين إعداديتين نموذجيتين ذواتي طابع مهني، وإنشاء معاهد متخصصة في التعليم الفني لاستيعاب الحاصلين على الشهادة الإعدادية، بالإضافة إلى ظهور التعليم الثانوي الصناعي، حيث تمثل في افتتاح مدرسة بمنطقة الباطنة وكان طلبتها من فئة الذكور فقط"(1)
أما على المستوى الجامعي فهو الآخر يعود إلى فترة الثمانينيات من القرن الماضي، تحديدا في العام 1984م "بإنشاء كلية عمان الفنية الصناعية بمسقط، وبعدها في العام 1993م تم تحويل أربع مراكز تدريب مهني لتكون كليات فنية صناعية في المصنعة ونزوى وإبراء وصلالة. وفي العام 2001م تم تعديل مسمى الكليات الفنية الصناعية لتصبح خمس كليات تقنية إحداها عليا في مسقط تمنح شهادة البكالوريوس التقني، وبعدها تمت إضافة كلِّيتين أخريين هما الكلية التقنية بشناص في العام 2005م، والكلية التقنية بعبري في العام 2007م"(2)
خلال الفترة من 1976-2021 كان هناك مراجعات عديدة ومختلفة لمسيرة التعليم المهني والتقني المدرسي أو الجامعي، كان أبرزها التراجع عن التعليم الصناعي أو المهني والتقني في المرحلة المدرسية الإعدادية أو الثانوية والاكتفاء بالتعليم الفني والمهني ما بعد التعليم المدرسي، ودون الدخول في تفاصيل الأسباب التي دفعت الجهات المعنيَّة حينها إلى ذلك، ها نحن اليوم نشهد إعادة النظر في ذلك التوجُّه باتجاه تطبيق التعليم المهني والتقني في التعليم ما بعد الأساسي(3) وذلك بعد التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال هذا العام.
تأتي هذه التوجيهات السامية في إطار اهتمام جلالته (أعزَّه الله) "بتطوير التعليم بمستوياته وأنواعه المختلفة، وأهمية رفع مستوى جودة التعليم، ومواءمة مخرجات النظام التعليمي لمتطلبات سوق العمل، وحرص جلالته على تنمية قدرات الطلبة والطالبات وإمكاناتهم في الجوانب الفنية والمهنية (بالإضافة إلى أن هذا التوجُّه يعد) ترجمة لرؤية عُمان 2040 إلى جانب ما نصَّت عليه الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 من ضرورة فتح مسارات للتعليم التقني والمهني لطلبة التعليم ما بعد الأساسي"(4)
إذًا التعليم في السلطنة مقبل على تغيُّرات جذرية، سيمتزج فيها التعليم المدرسي مع التعليم الفني والتقني من جديد في مرحلة ما بعد التعليم الأساسي، مما يمكن أن يساعد على ربط المخرجات المدرسية مع المدخلات الجامعية، خصوصا طلبة الجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، والكلية المهنية، كما يمكن أن يسهم في تحويل الاتجاهات الثقافية للطلبة، خصوصا الفئة التي يصعب عليها مواصلة التعليم الأساسي لتحصل على فرصة مواصلة تعليمها في مجالات مهنية وتقنية تستفيد منها في مستقبلها، بالإضافة إلى إمكانية الالتحاق بسوق العمل مباشرة بمؤهلات تتناسب وحاجة ذلك السوق.
مؤكد أن العوائق موجودة، خصوصا في ظل تشبع سوق العمل بالعديد من الوظائف ومقاومة الوافد لإحلال المواطن مكانه في بيئة يرتفع فيها سقف التحديات الاقتصادية، خصوصا تلك المتعلقة بالنمو والكيفية المنشودة لاستيعاب المخرجات. إذًا وباختصار، القضية مركَّبة ذات أبعاد ترتبط بالاقتصاد والتنمية والتعليم والإرادة الوطنية الصادقة لتذليل المعوِّقات في هذا الملف الوطني.
وإن كان من توصية يمكن أن تقدم في ختام هذا الطرح، فهي أهمية ربط التعليم المهني والتقني ما بعد التعليم الأساسي مع الجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، والكلية المهنية والتنسيق معهما حول البرامج التعليمية والتدريبية والتثقيفية، بالإضافة إلى أهمية التنسيق مع هذه المؤسسات التعليمية والمدارس من أجل تزويد الطلبة المهنيين والتقنيين بالممارسة العملية والتطبيقية الواقعية بحيث يتخرج الطالب ولديه من الإمكانات التعليمية والتطبيقية ما يمكنه من الدخول إلى سوق العمل بكل ثقة.
كما يلزم ضرورة مراعاة تشبع سوق العمل بالعديد من التخصصات التي يجب إعادة النظر إليها في المؤسسات الأكاديمية والبدء في البحث عن تخصصات جديدة تتناسب والتطورات الحاصلة تكنولوجيا وتقنيا ومهنيا، وهو ما يجب أخذه بالاعتبار في التعليم التقني والمدرسي ما بعد التعليم الأساسي، فالبلد ليس بحاجة إلى مزيد من الباحثين عن عمل من ذوي التخصصات التي لا تجد لها مكانا أو لا يحتاجها السوق أو أن سوق العمل العماني متشبع بها، مما يمكن أن يزيد من تحدِّيات وأعباء التوظيف في البلد في مقبل السنوات، هذا بالإضافة إلى ضرورة مواءمة تلك المخرجات مع إمكانات السوق نفسه، فليس من المقبول أن تكون المخرجات من التعليم المدرسي التقني والمهني والمخرجات الجامعية أكبر من قدرة السوق الوطني على استيعابها، الأمر الذي يمكن أن يفاقم مشكلة التوظيف في المستقبل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ

1- البوابة التعليمية، نظام التعليم في سلطنة عمان، بدون تاريخ نشر، تاريخ الدخول 18/ 6/ 2021م، على الرابط:
https://home.moe.gov.om/pages/6/show/12
2- تـطـور التعليـم التقـنـي فـي السـلطـنـة (أسس وركائـز) صحيفة عمان، تاريخ النشر 23 فبراير 2018، تاريخ الدخول 18/ 6/ 2021م
3- التعليم الأساسي في سلطنة عمان مدته 10 سنوات، حيث يضم المرحلة الابتدائية والإعدادية، بالتالي فإن التعليم المهني والتقني سيتم تطبيقه على الصفين الحادي عشر والثاني عشر
4- «التربية» تؤكد استعدادها لتنفيذ التوجيهات السامية حول تطبيق التعليم المهني والتقني فـي التعليم ما بعد الأساسي، صحيفة الوطن العمانية، تاريخ النشر 16 يونيو 2021م تاريخ الخول 18 يونيو 2021
على الرابط: http://alwatan.com/details/428197