أحمد صبري:
تعرضت بغداد ومدن عراقية أخرى خلال السنوات الماضية إلى هزات أرضية وارتدادات متعاقبة تزامنت مع هطول أمطار فيضانية لم يسبق أن تعرض العراق لها، أثارت قلق المعنيين بالحفاظ على سلامة الأبنية والعمارات، لا سيما المعالم الأثرية والتراثية لعدم تصميمها لمقاومة الحالات الطارئة.
ودقَّ قسم الهندسة المدنية في جامعة الفارابي العراقية ناقوس الخطر من احتمال تعرض الأبنية العامة في بغداد والمحافظات لخطر الانهيار جرَّاء الزلازل والهزات الأرضية المحتملة.
ووفقا للتحذير فإن هناك مواصفات ومعايير معتمدة عالميا بتصنيف الأبنية والعمارات التي تأخذ بنظر الاعتبار مقاومتها للهزات الأرضية والزلازل، وأن الأبنية العامة لم تتأثر بشكل قوي في الهزات الأرضية التي ضربت بغداد مؤخرا؛ لأنها كانت بسيطة، غير أن الأبنية التراثية والقديمة والمبناة بهياكل بسيطة ستواجه مشكلة الانفطار والتشققات.
ولم تسلم البيوت والمباني التراثية والتاريخية من مخاطر تعرضها ليس للهزات الأرضية فقط، وإنما للهدم والانهيار جرَّاء عدم الاهتمام بها؛ كونها صروحا حضارية ومعلمًا من معالم الحضارة الإنسانية للشعوب.
وتضم بغداد ومدن عراقية أخرى آلاف المواقع والمباني التراثية، لكن الآلاف من هذه المباني تعرضت للهدم، خلال السنوات الماضية التي أعقبت احتلال العراق. الأمر الذي حذَّر منه معماريون ومؤرخون عراقيون من مخاطر الأعمال التي تعاني منها، منبهين إلى أن المباني والمعالم الأثرية وتراث العراق والتاريخية هي في آخر سلم اهتمامات الحكومات المتعاقبة.
معلوم أن هناك تراثا ضخما ومعالم تاريخية يصل عمر بعضها إلى 1250 سنة ورثتها بغداد مراكز أثرية تعود إلى ما قبل الإسلام، وخصوصا في عكركوف غرب بغداد، ولكن لا أحد يهتم بصيانتها والحفاظ عليها.
وكشفت معماريون ومؤرخون عن أن البيوت والمباني التراثية في بغداد تتعرض لـحملة هدم منظمة وصل إلى 600 بيت فقط تبقى منها في العاصمة من أصل 1800 بيت.
واعتبر الخبير العراقي في العمارة المهندس إحسان فتحي تدمير التراث المعماري بأنه انتحار ثقافي وخسارة لا تعوض؛ لأن الموروث الحضاري والمعماري مهدد بالزوال، وإن العديد من المواقع التاريخية ذهب ضحية توسيع الشوارع أو التمدد العمراني أو جشع ورثتها. وتابع أن هناك "مأساة" تاريخية في الرصافة بعد زوال معالم من تاريخها، فضلا عن نهر دجلة الذي فقد قيمته الحقيقية ولم يعد يستعمل إلا نادرا، بعد أن كان الشريان الرئيس لمدينة بغداد اقتصاديا لنقل البضائع والأشخاص.
مصدر في دائرة الآثار التراث أشار إلى وجود عدة مرجعيات للمواقع التراثية تتمثل في الأوقاف الشيعية والسنية والمسيحية، وأمانة بغداد، في حين لا تملك دائرة الآثار سوى 26 مبنى تراثيا من أصل3000.
ويُعدُّ المبنى تراثيا في حال بني قبل 200 سنة أو أكثر ويشترط فيه أن يحمل صفات فنية وحضارية. وتصنف المباني الأثرية إلى ثلاث فئات: الأولى وهي الفئة المميزة التي تحمل صفات معمارية فريدة يجب الحفاظ عليها ولا يجوز التفريط بها، أما الفئة الثانية فتتعامل الهيئة معها بالحفاظ على الواجهة فقط، ويمكن السماح بتغيير البناء الداخلي، والفئة الثالثة وتخص المباني التي لا يمكن صيانتها، ويسمح بهدمها وإعادة بنائها بشرط محاكاة صفاتها المعمارية الأصلي.