بات من أقدارنا أن نصحو كلَّ يوم على إحصائيات جديدة ترتفع كثيرًا أو قليلًا أو تنخفض قليلًا عن اليوم السابق وهكذا، والحال يُصَوِّرُ وضع الناس وهم يحصون ضحاياهم كأنَّهم في معركة ضارية، بل إن هذا الوضع القائم لا يمكن وصفه إلا بأنَّه معركة أشد ضراوة وأشد فتكًا وتنكيلًا، معركة لا يزال بطلها واحدًا وهو فيروس كورونا "كوفيد19"، أخذ يمتلك من القدرات مع كلِّ رقم كبير يحصده من الضحايا ليضاعف غلَّته اليومية، وكأنَّه يريد أن يصل إلى رقم عالمي يدخل في موسوعة جينيس.
ولا يمكن أنْ توصف السلالات الجديدة المتحوِّرة عن الفيروس الأصلي من قبيل "ألفا" و"دلتا" وغيرهما التي عرفت في بريطانيا وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند، إلا بأنَّها أسلحة جديدة عمل فيروس "كوفيد19" الأصلي على إدخالها في معركته لِيَطُول الجميع دون استثناء، فمَنْ تجاوز ضرباته نجا فكان في عداد المصابين، ومَنْ لم يتجاوزها كان في عداد المتوفين، والغلبة في كلتا الحالتين للفيروس، حيث تمثِّل الأرقام الضَّخمة أهمِّية له. فهو لا يريد أنْ يقف عند ما يقارب مئة وثمانية وسبعين مليون مصاب، وما يزيد عن أربعة ملايين مُتوفَّى والمُسجَّلة حتَّى الآن.
إنَّ المشهد اليومي الذي يطالع فيه الجميع إحصائيات الضحايا المصابين والمتوفين ويقف على أرقام تتشبث بحالة الارتفاع، هو مشهد ـ لا ريب ـ مؤلم ومحزن وقاسٍ بكلِّ المقاييس وذلك بتساقط الناس بين مصاب بمرض فيروس "كوفيد19" وبين مُتوفَّى به. والمؤسف أنَّ أمام هذا الوضع المقلق والمخيف، لا تزال أسطوانات الإشاعات وأفواه المغرضين تبثُّ نشاز التثبيط والمزيد من القلق والتوجُّس، فتُجِيد صناعة الأوهام، فالدعاية المضادَّة لحملات التطعيم تواصل موالاة إشاعاتها المغرضة، مقدِّمةً بذلك كلَّ أشكال التعاون والدعم للوباء لأنْ يتمكن من ضحاياه، ويحصد المزيد والمزيد.
وإذا كان العالم قد نجح في القضاء على الكثير من الأمراض المُعْدية كالسُّل والجُدري وشلل الأطفال، وتمكَّن من تصنيع اللقاحات المضادَّة، وأعطت نتائجها الناجعة التي يلمسها الجميع بمَنْ فيهم أولئك المغرضون الذين يتَسنَّمون اليوم مواقع التواصل الاجتماعي لبثِّ إشاعاتهم وتشكيكهم في فعالية اللقاحات المضادَّة لفيروس كورونا "كوفيد19"، فإنَّ هذا العالم جدير بأنْ ينجح مجدَّدًا، خصوصًا وأنَّه اليوم قد انتقل مراحل متقدِّمةً في مجال البحوث العلمية والتصنيع والإنتاج.
لذلك إعمال الفكر والتحلِّي بالوعْي حاجة ملحَّة اليوم تستدعيها أهمِّية قيام كلِّ فرد بإنقاذ حياته وتجنيب نفسه من الإصابة بالوباء؛ وذلك بأخذ التطعيم المتاح والالتزام بالإرشادات والتعليمات الصحِّية والإجراءات الاحترازية. والجهود التي تبذلها السلطنة ـ كغيرها من الدول ـ من أجْل الوصول إلى أعلى نسبة من المطعَّمين عبر الحملات الوطنية التي تُنظِّمها وزارة الصحَّة، يجب أنْ تحظى بالاستجابة المجتمعية من قِبل جميع الفئات المستهدفة، وعدم الالتفات إلى الإشاعات وأصوات النشاز، والتعاون مع الحكومة في جهودها لإنجاح هذه الحملات، والوصول بالجميع إلى برِّ الأمان، وتمكينها من إعادة فتح الأنشطة المغلقة، وتمكين المواطنين والمقيمين من تحقيق منافعهم ومصالحهم، ولتعود الحياة إلى طبيعتها تدريجيًّا.