محمد عبدالصادق:
نظمت الجمعية الاقتصادية العمانية مؤخرا جلسة حوارية افتراضية شديدة الأهمية، عن إشكالية إعادة التفاوض على عقد اجتماعي جديد بدول الخليج، تناولت الجلسة ملفا بالغ الأهمية يتناول شكل العلاقة المستقبلية بين الدولة والمواطن الخليجي خلال العقود القادمة، وكيف أن اعتماد الاقتصادات الخليجية طوال العقود الخمسة الماضية على عائدات النفط والغاز في تحقيق الرفاه الاقتصادي لمواطنيها، لم يمكنها من تحقيق تقدم ملحوظ في خطط التنويع الاقتصادي، نتيجة عدم تغيير العقد الاجتماعي السائد في دول الخليج، التي قدمت بموجبه الدولة ريوع النفط إلى مواطنيها من خلال ثلاث قنوات أساسية؛ قدرة الوصول إلى منافع وخدمات عامة سخية، وقدرة الوصول إلى وظائف في الحكومة والقطاع العام برواتب عالية، وقدرة الوصول إلى عقود حكومية وتراخيص حصرية، دون تحمل أي أعباء ضريبية.
هذا الاعتماد الكلي على الإنفاق الحكومي أدى إلى تشوهات في الأسواق وأضعف جهود تطوير القطاع الخاص ليكون تنافسيا قادرا على توليد فرص العمل والنمو الاقتصادي المستدام الذي يمكنه من القيام بدوره في مستقبل ما بعد النفط.
ومع الزيادة السكانية وتدني أسعار النفط ودخول أزمات طارئة على الخط مثل جائحة كورونا، تراجعت الإيرادات ولكن ظل المواطنون متمسكين بالوصول إلى حصتهم الشرعية في ثروة النفط، ولن يكون من السهل إعادة التفاوض بشأن هذه الحصة؛ مهما تراجعت عائدات النفط، وكان لا بد من اللجوء للإصلاحات، وإعادة هيكلة قنوات تقاسم الثروات، وجعلها أكثر شفافية وفعالية اقتصاديا وعدالة اجتماعيا ومراعاة القيود المالية التي تواجهها الدول الخليجية.
كما تحدثت الجلسة عن المخاطر المترتبة على تأخر الإصلاحات الهيكلية للاقتصادات الخليجية، حيث حذر صندوق النقد الدولي مؤخرا، من استنفاد ثروات كثير من دول الخليج خلال العقدين القادمين في حال لم تطبق إصلاحات مالية واقتصادية جوهرية، مع ارتفاع الطلب على الطاقات البديلة والمتجددة وتحسينات في كفاءة استخدام الطاقة وتخزينها.
وتحدثت الجلسة عن ضرورة استبدال عائدات النفط والغاز بعائدات من مصادر أخرى كالضرائب على الدخل والاستهلاك من القطاعات غير النفطية دون الإثقال عليها، حتى تقدر هذه القطاعات على المنافسة، بالإضافة إلى خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الصادرات غير النفطية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وحول معالجة تحديات التوظيف أكدت الندوة أن حكومات مجلس التعاون تمنح مواطنيها قدرة الوصول إلى حصتهم الشرعية من الريوع الاقتصادية من خلال وظائف حكومية تحظى برواتب ومنافع عالية، ويؤثر هذا الوضع في خيارات المواطنين بالنسبة للدراسة والمسارات المهنية، كما يخلق سوق عمل يهيمن فيها العمال الوافدون على القطاع الخاص بسبب تدني أجورهم مقارنة بالمواطن الخليجي، وارتفاع الإنتاجية لتفرغ العامل الوافد للعمل دون وجود أعباء وواجبات اجتماعية وعائلية كالتي تثقل كاهل المواطن الخليجي.
سعت دول الخليج لتقليل الفوارق في الأجور بين القطاعين العام والخاص وبين المواطنين والوافدين في القطاع الخاص من خلال فرض رسوم مرتفعة لعمل الوافدين، ولكن هذا سيحد من تنافسية القطاع الخاص الذي يعتمد بشكل أساسي على تقليل التكاليف التشغيلية، مما يؤثر بالتبعية على خطط التنويع الاقتصادي، واقترحت الندوة استراتيجية فعالة لحصول المواطن على الريوع الاقتصادية بشكل أكثر وضوحا؛ بأن يدفع أصحاب العمل للمواطنين أجورا عادلة وفقا لأسعار السوق وتكمل الدولة ذلك براتب اجتماعي أساسي يمثل حصة المواطن من الريوع الاقتصادية.
أكدت الجلسة أن نضوب الموارد الطبيعية في دول مجلس التعاون قادم لا محالة، ويجب على الحكومات البدء في إعادة صياغة العقد الاجتماعي، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة، عن طريق البدء في حوار مجتمعي صريح مع كافة فئات وشرائح المجتمع، وأن تأخذ السياسات التي تهدف إلى التنويع في الحسبان السلوك الشرعي للمواطن الخليجي الذي تربى في ظل مبدأ السعي وراء الريع، مع ضرورة الإفصاح والشفافية والمكاشفة وطرح حجم القيود التي تواجه الحكومات حيال الخيارات المستقبلية، وإعادة كتابة المعايير للعقد الاجتماعي الجديد بطريقة عادلة ومتكافئة، كما ينبغي أن يهيئ كافة الأطراف (النخب السياسية والمواطنون العاديون) أنفسهم للتخلي عن بعض منافعهم وامتيازاتهم.