د. يوسف بن علي المُلَّا :
بات جليًّا لنا جميعًا، بل وأصبح واضحًا تمامًا كيف أن فيروس كورونا (كوفيد19) أضحى أكثر قابلية للانتقال. فمنذ ظهور الفيروس في الصين، أصبح يكتسب طفرات تساعده على الانتشار بسهولة أكبر بين البشر. بطبيعة الحال، تم اكتشاف متحوِّر الفيروس (ألفا) لأول مرة في المملكة المتحدة العام الماضي، وهو أكثر قابلية للانتقال بنسبة 50 في المئة من السلالة الأصلية، والآن المتحوِّر (دلتا) الذي تم اكتشافه لأول مرة في الهند، وهو ـ إن صحَّ لي القول ـ أكثر قابلية للانتقال بنسبة 40 في المئة على الأقل من (ألفا).
ومع ذلك، فإن ما هو أقل تأكيدًا، كيف ستؤثر قابلية انتقال الفيروس المتزايدة على الجائحة عندنا أو في المنطقة؟! حيث حازت المتحوِّرة (دلتا) على الكثير من الاهتمام؛ لأنها تحتوي على أكثر مجموعة من السمات إثارة للقلق حتى الآن: فهي أكثر قابلية للانتقال من (ألفا)، ويمكن أن تصيب نسبة كبيرة من الأشخاص الذين تناولوا جرعة واحدة فقط من اللقاح (مقارنة بمن تناولوا جرعتين)، بل وقد يسبب مرضًا أكثر خطورة.
ولكن كما هو الحال مع (ألفا)، التي كان يُشتبه أيضًا في أنها أكثر حدَّة، فإن الطريقة التي يتصرف بها هذا المتحوِّر في العالم الحقيقي ستعتمد على أكثر من بيولوجيته أو حياته. ما أود الإشارة إليه ومن خلال متابعة تطوُّر الفيروس خلال الفترة الماضية، أنه سيعتمد أيضًا على الطريقة التي نختار بها نحن ـ مضيفو الفيروس ـ التصرف، وعدد الأشخاص الذين نقوم بتطعيمهم، وإلى حدٍّ ما، بمدى حظِّنا!
ولعلَّنا نتذكَّر كيف أن متحوِّر كورونا (ألفا) وجد طريقه إلى مجموعات من الشباب الذين لم يكونوا مؤهلين بعد للتطعيم، وللأسف كان نوعًا من التوقيت السيء. وربما لو أن سلالة (ألفا) وصلت بعد ذلك بقليل، أو أن اللقاحات قبل ذلك بقليل، لكان التحصين قادرًا على تخفيف تأثير المتحوِّر (ألفا) مثلا.
وبالتالي هذا يأخذنا إلى إدراك نقطة مهمة، وكيف أن هنالك مفهومين حول الانتشار الفيروسي يساعدان في تفسير سبب إحداث هذا الاختلاف في التوقيت والمصادفة. أولاً: ينتشر فيروس كورونا بشكل كبير، مما يعني أنه حتى التأخير الطفيف في جهود التخفيف يمكن أن يؤدي إلى نتائج مختلفة بشكل كبير. ثانيًا: انتشار الفيروس هو ما يسميه علماء الأوبئة (الانتشار المفرط)، مما يعني أن غالبية المرضى لا يصيبون أي شخص آخر، ولكن تخيَّل معي حفنة صغيرة قد تصيب عشرات الأشخاص. وبعبارة أخرى، فإن معظم شرارات العدوى لا تشتعل فيها النيران. لكن في بعض الأحيان، قد تتسبب عدوى واحدة في حدوث انتشار فائق مبكر، والذي ينتهي به الأمر إلى تفشِّي المرض بشكل كبير.
وبشكلٍ جادٍّ وحقيقي أرى أن بعض الأماكن في محيطنا ستتأثر وتأثرت بشكل أكبر بهذا المتحوِّر الهندي. وعلى الأرجح، ستكون تلك الأماكن هي الأماكن التي تم فيها تطعيم عدد أقل من الناس. وهذا يأتي ليؤكد على أن اللقاحات هي أفضل طريقة لوقف متحوِّر فيروس كورونا (دلتا). فعلى سبيل المثال، وبالنظر إلى إحدى الدراسات بالمملكة المتحدة، فقد أشارت إلى أن جرعة واحدة من لقاح فايزر توفر حماية بنسبة 34 بالمئة فقط ضد متحوِّر (دلتا)، بينما توفر جرعتان 88 بالمئة من الحماية.
ختامًا، في البلدان التي ليس لديها جرعات كافية لإيقاف هذه المتحوِّرات، وأعني حاليا متحوِّر (دلتا)، فهذا بكل تأكيد ينذر بمزيد من المتاعب والمشاكل. من ناحية أخرى، إنه لرفاهية أن نقول بأن تأثيرات متحوِّر (دلتا) النهائية على السلطنة أو محيطها لا يمكن التنبؤ بها! ولعلَّ الأجدى أن نعي الآن أيضًا أنه يجب أن نتوقع غير المتوقع من متحوِّر كــ(دلتا).

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي