ناصر بن سالم اليحمدي:
قرار الإغلاق ومنع الحركة للأفراد والمركبات وإغلاق جميع الأنشطة الاقتصادية خلال الفترة المسائية من الساعة الثامنة مساء وحتى الرابعة فجرا، الذي أصدرته منذ أيام اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، رغم أنه أثار استياء بعض الناس إلا أنه قرار سليم مئة بالمئة، وأنا شخصيا أؤيده بشدة؛ لأن الموجة الحالية من الجائحة كشَّرت عن أنيابها بصورة فجَّة ومفزعة، وسجَّل المنحنى الوبائي ارتفاعا غير مسبوق منذ بداية الجائحة بعد أن سجَّلت البلاد أكبر عدد وفيات خلال أسبوع منذ مطلع العام الماضي.. وبالطبع هذا يسبب ضغطا متزايدا وكبيرا على الطاقم الطبي الذي بدأت خيوط التحكم في الإصابة والوفاة تتقطع من بين يديه.. فبالتأكيد أمر صعب أن يرى الطبيب أو الممرض أمام عَيْنَيْه المريض وروحه تزهق وهو يقف عاجزا ليس بمقدوره فعل شيء.. كما أن المستشفيات والمراكز الصحية وصلت لأقصى طاقتها الاستيعابية، خصوصا وحدات العناية المركَّزة، وبالطبع هذا يعد حملا ثقيلا على الدولة بشكل عام.. لذلك كان لا بُدَّ من إجراء حاسم وحازم يكبح جماح الفيروس الشرس، ويقلل من وتيرة تصاعد مؤشر الإصابة والوفيات التي فاقت الحدود.
لقد أثبتت تجارب الإغلاق السابقة نجاحها في الحدِّ من الانتشار السريع للوباء، وأسهمت إلى حدٍّ ما في تقليل أعداد الإصابات والوفيات بين المواطنين، ورغم أن هذا الحل مؤقت وليس دائما، لكنه سليم طالما يؤتي نتائج ملموسة.. وتجربة الإغلاق هذه المرة يصاحبها حملة التطعيم الوطنية التي يتم من خلالها توزيع اللقاحات بشكل مكثف في مختلف محافظات السلطنة.. وبهذه الجهود نأمل أن يصل مؤشر الإصابات إلى الحدود الدنيا، لا سيما وأن تعميم اللقاح على جميع السكان أثبت فاعليته في محافظة مسندم التي خلا فيها مستشفى خصب من المرقَّدين في غرف العناية المركَّزة بعد أن تم تطعيم كافة سكانها.
قد يقول قائل إن إغلاق الأنشطة التجارية ومنع الحركة يتسبب في ركود اقتصادي وخسائر مادية وتوقف عجلة التوظيف، ناهيك عن تفاقم معدَّلات الفقر وهذه التداعيات الاقتصادية لا تقل خطرا على المجتمعات من الخطر الصحي الناجم عن الجائحة.. ربما هذا الرأي صائب إلى حدٍّ كبير، ولكن لماذا لا تأخذ القرارات السيادية كلا الخطرين في الاعتبار؟.. وهذا ما نلاحظه في قرارات اللجنة العليا التي راعت الآثار الصحية والاجتماعية والاقتصادية معا في قرارها. فمثلا، الإغلاق يتم ليلا وهي فترة لا يكون النشاط التجاري فيها كبيرا.. أما بالنسبة لإغلاق قاعات الأفراح والأنشطة المرتبطة بتأجير الخيام فهذا لأن معظم رواد هذه القاعات والخيام لا يلتزمون بالإجراءات الاحترازية، وخصوصا التباعد الاجتماعي فتكثر عن طريقها الإصابات وينتشر الفيروس بكل سهولة.
إن العِبرة هنا ليست بالفتح أو الإغلاق، وإنما بالأسباب التي تؤدي إلى هذه القرارات والتي تنبع من المسؤولية الشخصية التي يجب أن يتحملها كل فرد في المجتمع تجاه الوضع الوبائي الذي لن يتم القضاء عليه بين عشية وضحاها.. فعلماء الأوبئة يتوقعون أن يستمر بقاء الفيروس لسنوات قادمة حتى لو تم تقليل شدة انتشاره، إلا أنه لن يتم القضاء عليه نهائيا مما يعني أنه يجب أن نتعايش معه وهذا التكيف لا يكون بإهمال الإجراءات الاحترازية وعدم اتباع التدابير الوقائية، ولكن على العكس، علينا تغيير أنماط حياتنا وسلوكياتنا حتى تتواءم مع الوضع الجديد ونمارس حياتنا بما توفره الظروف من معطيات حتى نحمي أنفسنا والآخرين من خطر الإصابة.
لا شك أن قرارات الإغلاق تحتم علينا أن نتحلى بثقافة الالتزام.. فالوباء لن يتم القضاء عليه بإغلاق منشأة تجارية لفترة زمنية محددة أو تعاطي جرعة أو اثنتين من اللقاح، ولكن بسلاح الوعي بكيفية القضاء عليه عن طريق التقيد بالإجراءات الوقائية التي تدعو لها وزارة الصحة ليل نهار.. فهذا هو الحل الدائم الذي من المؤكد سيجنبنا معاناة ارتفاع حالات الإصابة والوفاة، ويخفف الضغط على الأطقم الطبية، ويمنع اللجوء لقرارات الإغلاق مرة أخرى.. فعلينا جميعا أن نواجه الظروف الجديدة بأدواتها وأسلحتها من ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي وغسل اليدين باستمرار والتعقيم، وغير ذلك من الإجراءات الاحترازية مع تلقي التطعيم، فكل هذه الإجراءات ضرورية لمواجهة التحورات الشرسة للفيروس وآخرها السلالة الهندية سريعة الانتشار وكفيلة بتراجع منحنى الإصابة وخلو المستشفيات من المرضى.. فالالتزام هو السبيل الوحيد لمكافحة الوباء.. دمتم سالمين.
* * *
حزب أعداء النجاح يظهرون دائما في ثوب الفضيلة، ويحاولون أن يثبتوا للآخرين أنهم وحدهم القادرون على تغيير التاريخ فينسبون لأنفسهم الشجاعة وهم أبعد ما يكونون عنها، ويرتدون ثوب القِيَم وهم بعيدون كل البُعد عنها أيضا.
هؤلاء ينبحون ليل نهار لكن القافلة سوف تسير دون توقف غير عابئة بما يحدث حولها من تُهم وأباطيل الهدف منها الإثارة والتشويق حتى لو كانت هذه الإثارة وهذا التشويق لغرض في نفس يعقوب كما قال أجدادنا القدامى.
ليت هؤلاء يقدمون عملا يفيدون به مجتمعهم بدلا من البحث عن الشهرة والصيد في الماء العكر الذي لن يجنوا من ورائه سوى فقدان احترام الناس لهم، ثم السقوط في مزبلة التاريخ.
أما الناجحون فعليهم عدم الالتفات للمعوقين ولا الاهتمام بما يقولون حتى لا نتحول لمجموعة من الفشلة.. بل عليهم الاستمرار في طريق العطاء وبذل أقصى ما في وسعهم لتحقيق المزيد من النجاح ولو كره الحاقدون.. فالإبداع هو الطريق الصحيح الذي يصل ببلادنا نحو المعالي ويعود على الجميع بالخير.