تتعدَّد اليوم الأسباب الداعية إلى أهمِّية التنويع الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، وتتعدَّد الظروف وتتوالى المُحرِّضة على أهمِّية وجوب استغلال الموارد الطبيعية والموارد البشرية أحسن استغلال، وتوظيف الأفكار والطاقات والإبداعات ورعايتها بالتعليم والتدريب والتأهيل وتقديم كل أشكال الدعم والتمكين لها؛ ذلك أنَّ سنَّة الحياة لا تبقى على مصدر دخل واحد، ولا تستمر على حال واحد، فالحياة دائمًا متغيِّرة من حال إلى حال.
وإذا كان عصر النفط شهد ـ ولا يزال ـ نهضة كبرى لدى الدول المنتجة والمصدِّرة له، فإنَّ بقاء هذا الحال من المحال، فالذهب الأسود ـ كما يُطلق عليه ـ لن يبقى ما دامت الحياة، وإنما هو ثروة قابلة للنضوب بفعل الاستهلاك القائم والمستمر، وكذلك للتطوُّر العلمي الباحث عن مصادر للطاقة البديلة، وخصوصًا مصادر الطاقة المتجدِّدة والصديقة للبيئة، فدورة الحياة والبحث العلمي لا تقف عند حدٍّ معيَّن.
في الحقيقة هذا الفهم كان حاضرًا في بلادنا منذ البدء، فالتنبيهات الأبوية التي أطلقها المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ لا تزال كلماتها حاضرة في الذاكرة والأذهان بأنَّ النفط ثروة ناضبة وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها، فضلًا عمَّا يتعرض له النفط من مضاربات في الأسواق العالمية، وما يرتبط به من سياسات وظروف وأزمات دولية وغير ذلك.
لذلك الاتجاه نحو تنويع مصادر الدخل وتنويع السياسات الاقتصادية حثَّ عليه جلالة السلطان الراحل ـ رحمه الله. ويأتي في إطار هذا التنويع توسيع الأنشطة الاقتصادية، وتشجيع الأعمال، والاستثمارات وجذب رؤوس الأموال، وتحفيز الشباب، وخصوصًا ذوي الفكر الخلَّاق والمبادرات والمشروعات الفردية على إقامة مؤسسات صغيرة ومتوسطة، فهذا النوع من المؤسسات يمثِّل القاعدة العريضة للاقتصاد الوطني، ومسارًا من مسارات التنويع الاقتصادي واستغلال الفرص، واستيعاب الشباب والباحثين عن عمل، وإعطاء الشباب زمام المبادرة والثقة لبناء حاضرهم وتأمين مستقبلهم، وبناء وطنهم وحاضره والرُّقي به والحرص على تطوُّره، وعدم تسليم هذا الزمام للأيدي العاملة الوافدة، التي أسهمت في المراحل الأولى من مسيرة البناء والتنمية، ولها الشكر على ذلك.
إنَّ تقديم المزيد من ألوان الدعم والتمكين لروَّاد ورائدات الأعمال وأصحاب المشروعات والمبادرات الفردية، وذوي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أمر تستدعيه الوطنية الحقَّة والضمائر الحيَّة؛ لما يمثِّله هذا الأمر من اهتمام بهذا الوطن وحفاظ عليه، وصون لاقتصاده ومكتسباته، فقد آنَ الأوان أنْ تمسك الكوادر الوطنية بمفاصل البناء والتنمية والاقتصاد الوطني بصورة كاملة.
ويمثِّل خطوةً طيبةً في هذا الاتجاه، أي اتجاه دعم الكوادر الوطنية، توقيع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أمس اتفاقية إدارة المحفظة الإقراضية مع بنك التنمية العُماني لتمويل روَّاد ورائدات الأعمال، وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والحرفيين لتأسيس وتوسعة مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة، وتعزيزًا لدورها في دفع عجلة الاقتصاد الوطني.
وبموجب هذه الاتفاقية، ستتولَّى هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إعداد وتنفيذ برنامج جاهزية مقدِّمي طلب التمويل الذي يهدف إلى تقييم قدراتهم وتطوير مهاراتهم في مجال ريادة الأعمال، وستقوم الهيئة بتقديم الدعم والمساندة للمشاريع المموَّلة في الجوانب التسويقية والفنية. أمَّا بنك التنمية العُماني فسيقوم بعد اكتمال كافة الإجراءات والتنسيق مع الهيئة باستلام طلبات التمويل من مقدِّمي طلب التمويل مباشرة ودراستها ومتابعة المشاريع المموَّلة من خلال الزيارات الدورية.
وهنا من الأهمية بمكان أن تراعى ـ بجانب الدراسة والمتابعة للمشروعات المموَّلة ـ الأمور التي تعطي هذا التمويل فاعليته ودوره، ويُمكِّن مُستحقِّيه من النجاح والاستفادة منه كفترات السماح والفوائد والأقساط أو الإعفاء وغير ذلك.