علي بن سالم الرواحي:
الآية الثانية عشرة من الجزء الثالث والعشرين:(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس ـ 12).
سبب النزول:
أخرج الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، عن أبي سعيد الخدري قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النّقلة إلى قرب المسجد، فنزلت هذه:(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ)، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم):(إن آثارَكم تُكْتَبُ، فلا تنتقلوا)، وروى نحوه مسلم عن جابر بن عبدالله، والمقصود بآثاركم: خطاكم إلى المساجد، فدلّ على أن عدد الحسنات متعلقة بعدد الخطى إلى المساجد، ولا يلزمهم القرب منه إن شقّ عليهم ذلك، بل أن أجرهم أكثر كلما ابتعدوا.
محل الإشكال:
1 ـ (الْمَوْتَى).
2 ـ (َآثَارَهُمْ).
سبب الإشكال:
1 - هل هم موتى القلوب (المشركون) ويكون إحياؤهم بالإيمان أم موتى البشر؟!.
2 - هل هي الخطى إلى الطاعة أو المعصية أم سنّ الطاعة أو المعصية؟!.
حل الإشكال:
1 - من الواضح أنهم موتى البشر بدليل قوله تعالى:(وآثارهم) أي: ما خلفوه بعد حياتهم
2 - على معنيين:
أ - الخطى إلى الطاعة أو المعصية، وهو ما جاء في سبب النزول.
ب - روى مسلم:(من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئَا)، فما جاء في الآثار الحسنة، روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم):(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية من بعده)، ومن الآثار السيئة: سنّ موضة جديدة شبه عارية، وسنّ بدعة في الدين لا خير فيها، كسنّ صلاة جديدة لم تنصّ عليها السنة، وكسنّ طقوس الزار والمالد.
بالنظر إلى وجود الأثر في الحياة توجه إلى المعنى الأول، وإلى وجوده بعد الحياة توجه إلى المعنى الثاني، ولا ضير في الأخذ بالمعنيين حيث جميعًا دل عليه الدليل، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.