علي بدوان:
برزت في صمود قطاع غزة في المواجهات الأخيرة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في أيار/مايو 2021 الماضي، الأدوار الاستثنائية لبعض القوى الفلسطينية، وأجنحتها الفدائية، وخصوصًا: سرايا القدس، وكتائب القسام، وكتائب شهداء الأقصى، وكتائب الشهيد أبو علي مصطفى...إلخ. وبرزت أدوار الأطر التنظيمية على امتداد الضفة الغربية ومدينة القدس، التي عملت على اتباع طريق الكفاح المُمكن في الاشتباك مع الاحتلال وتجسيداته على الأرض (جيش ومستوطنين) وجهًا لوجْه، ومن النقطة صفر، ولعب تنظيم حركة فتح دورًا مهمًّا في هذا الميدان في القدس، في الشيخ جراح، وباب العمود، وفي الحرم القدسي ومحيطه، وفي مواجهة حواجز جيش الاحتلال المنتشرة في عموم الضفة الغربية. عدا عن الفعل الذي أبداه الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948 في اللد وحيفا وأم الفحم...إلخ. الذي اشتبك مع المحتلين وطارد مجموعات المستوطنين كما حدث في مدينة اللد. فكانت معركة الصمود الأخيرة في أيار/مايو 2021 الماضي متعددة الوجوه والوسائل الكفاحية الممكنة وعلى امتداد الأرض الفلسطينية التاريخية.
فيما كانت سرايا القدس، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ومعها كتاب القسام وكتائب الأقصى وكتاب الشهيد أبو علي مصطفى... هي المستهدفة بداية المعركة، كما كان مُستهدفًا قائد حركة الجهاد زياد نخالة، الذي يُعد من أعمدة الكفاح المسلح في القطاع منذ دوره في إطار وحدات قوات التحرير الشعبية عقب الاحتلال الكامل للقطاع في حرب حزيران/يوليو 1967. فتاريخه مُثقل بالعمل الوطني وبالتجربة الميدانية التي خاضها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين على أرض القطاع وحتى خارج مناطق القطاع، وهو ما كلَّفه سنوات من الرزوح في سجون ومعتقلات الاحتلال، وخصوصًا في ظل بدايات المقاومة في القطاع بعد حرب 1967 حين كان في عداد قوات التحرير الشعبية التابعة لجيش التحرير الفلسطيني.
زياد نخالة، الفلسطيني، الهادئ، الملتزم، صاحب الإرادة الحديدية، البعيد عن الاستعراض، وعن الكاميرات، سليل المدرسة الكفاحية الفلسطينية، التي خرجت من بين صفوف الشعب الفلسطيني، وخصوصًا في القطاع، ومن بين عموم فصائل العمل الوطني الفلسطيني، مئات الكوادر الفلسطينية وخصوصًا من القوى الرئيسية، فكان زياد نخالة و(كما أسلفنا) من عداد جيش التحرير الفلسطيني (قوات عين جالوت) وجناحه الفدائي الذي حمل اسم قوات التحرير الشعبية، وعمل على تأسيسه المرحوم أحمد الشقيري الرئيس والمؤسس لمنظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني. فقد حوَّلت قوات التحرير الشعبية قطاع غزة إلى نار في وجه الاحتلال تقود القطاع في الليل، فيما تنشط قوات الاحتلال ساعات النهار في حينها. فـ(زياد نخالة)، وقبل أي تشكيلٍ لفصيل تحت قيادته، كان في الأطر الفلسطينية العامة التي هزَّت كيان الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، وجعلت (الجنرال إسحاق رابين) رئيس الوزراء في "إسرائيل" يقول ذات مرة "تمنيت وأنا أحلم أن أصحو من نومي ذات يوم وأرى البحر قد ابتلع القطاع وسكانه". هذا هو القطاع وأهله، الذي دوَّخ الاحتلال، وجعله يخرج منه صاغرًا عام 2005.
وعند ذكر زياد نخالة، نستحضر سيرة الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، الشهيد الوطني، والوحدوي، الذي اغتاله جهاز الاحتلال الأمني "الإسرائيلي" الخارجي (الموساد) عام 1995 في العاصمة المالطية (فاليتا) أثناء سفره من ليبيا المحاصرة في حينها نحو سوريا. كذلك المرحوم الدكتور السياسي والأكاديمي المرموق الراحل رمضان عبد الله شلح، ابن حي الشجاعية في القطاع. الشهيد الدكتور (رمضان شلح) التجديدي، الذي قاد الحركة لسنواتٍ صعبة، بعد استشهاد الدكتور فتحي الشقاقي.
لقد سجَّلَ وصنع الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة أسطورة في سفر الكفاح الوطني، الشعب الذي ما زال وقبل العام 1948 قابضًا على الجمر المتقد، يواجه عصابات (الهاجاناه) وغير من التشكيلات العسكرية الصهيونية، ويتابع كفاحه منذ ما بعد النكبة بالرغم من الحملات العسكرية الكبرى التي شنَّها عليه الاحتلال الإسرائيلي. كما وقع في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حين تم احتلال القطاع من قبل الكيان الصهيوني، وانسحب منه ومن قناة السويس بعد تدخل الدولتين الكبريين في حينها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي (حين هدد رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي في حينها بولجانين بقصف مُدن الغرب بالصواريخ البالستية حال لم تنسحب قوات الدول الثلاث المعتدية: بريطانيا + فرنسا + الكيان الصهيوني). وفشلت مشاريع التوطين التي تم عرضها وطرحها في الخمسينيات، بفعل صمود القطاع وأهله، وعموم لاجئي فلسطين الذين يُشكلون نحو 68% من سكان القطاع، وجلهم من مناطق يافا واللد والرملة والنقب... وهي ذاتها مشاريع التوطين التي تم عرضها سنتذاك لتوطين لاجئي فلسطين الموجودين في سوريا ولبنان في شمال العراق.
إن المرحلة الحالية، والمرحلة الآتية، مرحلتان تختزنان صعوبات كبيرة، حيث يهدد رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي الجديد (نفتالي بينيت) اليميني المتزمت، بشن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، وعموم الأرض الفلسطينية، خصوصًا في مدينة القدس، التي يعبث بأحيائها مجموعات المستوطنين من الحريديين المتطرفين. وقد ساند (نفتالي بينيت) في تصريحاته العنترية ضد القطاع وأبناء فلسطين المقادسة وأبناء الضفة الغربية، عدد من وزرائه المتطرفين الذين لا يختلفون عن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في تطرفه.
وفي الاستخلاصات الأخيرة، نقول بأن قوى المقاومة في قطاع غزة، وعموم الضفة الغربية والقدس وكل الأرض الفلسطينية، وأجنحتها الفدائية: كتائب الأقصى + كتائب القسام + سرايا القدس + كتائب الشهيد أبو علي مصطفى...إلخ، لعبت دورًا ملموسًا ومهمًّا في معركة القطاع الأخيرة وعموم الأرض الفلسطينية، خصوصًا في مدينة القدس، ويُسجّل للقائد زياد نخالة الدور الملموس والمؤثر، وبنفس الوقت حرصه على الوحدة الوطنية، بما في ذلك مع القوى الفلسطينية التي يتباين معها بالرؤى والتكتيكات. فكان زياد نخالة الحالة الاستثنائية من بين القوى الفلسطينية التي واجهت جيش الاحتلال الإسرائيلي. ولم تضع للخلافات البينية الفلسطينية من مكانٍ لها. لذلك ومع تحفُّظ حركة الجهاد، وابتعادها حتى الآن عن المشاركة في أطر وهيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لكنها لا تعارض ولا تشاكس المنظمة، ولا حالة الإجماع الوطني داخل المنظمة بالرغم من رؤيتها السياسية المختلفة. وهذا أمر إيجابي يُسجل لها، ونتمنى أن تنضوي في إطار المنظمة إلى جانب حركة حماس، وهما الجهتان الفلسطينيتان اللتان ما زالتا خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية حتى الآن.

كاتب فلسطيني دمشق ـ اليرموك