جودة مرسي:
يقول الخبير الجيولوجي العماني الدكتور محمد الكندي في كتابه "قصة الأرض والحياة في عمان (منذ 800 مليون سنة إلى الآن)" إن ولاية الدقم متحف جيولوجي علمي بمعنى الكلمة يحكي حكاية نشأة الأرض بين طيات تضاريسه ومكوناته، وهو ما يندر تجمعه في مكان واحد... ومصداقا لهذا الوصف ومع ما تكتسبه هذه المنطقة من أهمية دولية ومحلية كبيرة، سواء اقتصادية أو جغرافية جعلت السلطنة تضعها في مركز اهتمامها لتجعل منها إحدى القلاع الصناعية الكبيرة المستقبلية للبلاد، ووفرت لها الإمكانات المالية والبشرية، وأنشأت بها إلى جانب الميناء المشاريع الاقتصادية الكبيرة والمتنوعة التي تميزها عن غيرها من المناطق الشبيهة، سواء داخل السلطنة أو خارجها، فتم إنشاء صرح تعديني كبير هو شركة مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية التي أعلنت الأحد الماضي أن نسبة الإنجاز في مشروع مصفاة الدقم بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم بلغ 83.4% بنهاية مايو الماضي. ومن المعروف أن نسبة النفط الخام الذي سيتم تكريره في المصفاة تبلغ 65% للنفط الخام الكويتي و35% للنفط الخام العماني، ومن المقرر تخزينهما في «رأس مركز» للنفط الخام. ويحتوي مشروع المصفاة على عدد من المرافق التي تتضمن وحدات المعالجة الرئيسية ومرافق البنية الأساسية كمبنى مكاتب الشركة ومرافق التخزين التي تشمل صهاريج لتخزين النفط الخام بمنطقة رأس مركز وخط أنابيب لنقل النفط الخام للمصفاة بطول 80 كيلومترا ورصيف تصدير بميناء الدقم. كل ذلك لمعالجة النفط الخام الذي ينتج شريحة كبيرة من المشتقات النفطية على اختلاف مكوناتها، كما يشير إلى الأهمية الاستراتيجية للمشروع التمويل الكبير الذي قدمته البنوك المحلية والإقليمية بالسلطنة ودولة الكويت.
وتولي الحكومة الرشيدة أهمية كبيرة للمشروع بشكل خاص لجدواه الاقتصادية التي ستسهم مع غيرها من المشاريع الأخرى في تنمية الدخل القومي، والتي سيكون العامل المهم فيها ميناء الدقم الذي سيكون محطة رئيسية للنقل البحري على مستوى العالم، حيث يتميز موقع الميناء بأهمية اقتصادية كبيرة يدعمها الأنشطة الاقتصادية المحلية والموارد الطبيعية، حيث سيتم التعامل المباشر مع النمو المطرد للأسواق الخارجية، خصوصا في إفريقيا والهند إلى جانب استقطاب الخطوط الملاحية الرئيسية والتي تمثل حجم للتبادل التجاري الكبير ما بين قارات العالم الثلاث الإفريقية والآسيوية والأوروبية. هذا بخلاف السوق الخليجية الأقرب جغرافيا واقتصاديا بحكم العلاقات والقوانين المشتركة والمشجعة للتجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي والتي تمثل قوى استهلاكية لا يُستهان بها ولديها احتياطيات مالية كبيرة.
إن أهمية إنشاء ميناء الدقم والمشاريع الاقتصادية الكبيرة بالمنطقة تستهدف استقبال الأجيال الجديدة من الناقلات العملاقة والضخمة التي تسع سعتها إلى أكثر من 22 الف حاوية بفضل عمق الميناء الذي يصل إلى 18 مترا، على عكس الكثير من الموانئ الأخرى القريبة المتواجدة في المنطقة لتعطي ميناء الدقم الأهمية الاستيعابية والاستراتيجية، سواء للمرور أو التخزين، هذا بخلاف عنصر الأمن والأمان المتوافر في منطقة الدقم خاصة، وكافة ربوع السلطنة بشكل عام مما يجعل الشركات العالمية لا تتخوف على تجارتها وناقلاتها في المرور من الميناء، هذا بخلاف العوامل الكثيرة التي تتوافر في الميناء والمنطقة من مناخية وجيولوجية. لقد أضحت فصول قرب الانتهاء من إنشاء شركة مصفاة الدقم والصناعات البتروكيماوية قريبة بعد أن تم إنجاز أكثر من 83.4 في المئة من مكوناته، لنقفز مع مواردنا الاقتصادية المتنوعة خطوات واسعة إلى الأمام انتظارا وعملا لبقية المشاريع العملاقة التي تحتضنها منطقة الدقم وميناؤها الدولي، ليكون الرهان الكاسب على تنوع الدخل هو خطتنا الحالية والمستقبلية التي تؤتي أكلها كل حين، ليقترب موسم الحصاد لهذه المشاريع العملاقة.