هلال بن حسن اللواتي ✽
من أهم المنافع التي تتبع التلبس بالتقوى هو: أن يصبح الله تبارك وتعالى معلم الإنسان، قال تعالى:(وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة ـ 282)، الأمر الذي يفتح أبوابًا من الأسئلة حول هذه الآية المباركة، منها: كيف يكون تعليم الله تعالى للعبد المتقي؟، ولماذا الاختصاص بالتقوى؟، وهل الذي لا يتقي الله تعالى مسلوب توفيق التعليم الإلهي؟، وما هي الفوائد المترتبة على هذا التعليم؟، ثم إن العلم علمان (علم حضوري وعلم حصولي)، فأي من العلمين يعلم الله تبارك وتعالى العبد؟، وفي أي مجال يصب هذا التعليم الإلهي هل في مصب العالم الأخروي أم في مصب العالم الدنيوي، أم في مصب العالمين معًا؟، هذه الأسئلة تدور في أفق تلك الآية المباركة العظيمة.
إنه ليدفع الإنسان إلى الدخول إلى عالم التقوى لأجل الحصول على هذه الميزة العليا في عالم العلم والتعلم، لأوضح جانبًا مهمًا في هذا التعليم الإلهي، وهو: إن الإنسان عندما يفكر في الخيارات والبدائل التي أمامه لمشروعه أو لبرنامجه أو لأطروحته أو لمقترحه حسب تحليله الذي ينتهي به علمه وثقافته وما تلقاه من الدورات، وما حضر من المؤتمرات والندوات، وما استفاد من الخبراء العالمين فإنه قد يجد أن خياراته وبدائله محدودة بعدد معين وبإطار معين، وبكيفية معينة، وبحدود معينة، وهذا الأمر طبيعي يشهده الوجدان البشري، والعقل الإنساني، والخبرات والتجارب التي خاضها هذا الإنسان، ولكن لو سالنا الإنسان هل تحتمل وجود بدائل وخيارات أخرى بحيث لم يصل إليه علم الإنسان ولا معرفته؟!، فسيكون الجواب نعم الاحتمال وارد جداً، وهنا سوف يتبعه سؤال آخر: إذن لم لا تحاول إيجاده؟!، الجواب: لأن ألى هنا مبلغ علمنا!.
ولكن إذا ما تزود الإنسان بتقوى الله تعالى فإن من مقتضيات التعليم الإلهي هو فتح آفاق الخيارات والبدائل إلى درجة تصبح لا متناهية، وهذا الأمر طبيعي لأن المتقي حينئذ يكون مرتبطًا باللامتناهي، وهو الله تبارك وتعالى، فيمطر عليه سبحانه من علمه اللامتناهي، فيصبح أفقه عظيمًا، وتفكيره عميقًا، وتصبح خياراته لا متناهية يستطيع إيجاد حلول سريعة ودقيقة وعميقة ومن دون أية تأثيرات جانبية، فيرى المتقي ما لا يراه الآخرون، ويشخص ما لا يستطيع أعظم خبير دولي تشخصيه، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكلام هو عن المتقي الحقيقي وليس من عن المدعي للتقوى، فهذا الجانب من المهم تشخصيه ومعرفته حتى لا يقع الإنسان فريسة بيد المدعين، وهذا الجانب من أهم الجوانب التربوية التي يسعى القرآن الكريم ترسيخه في الأمة والإنسان، لأنه يعلم أن الإنسان يفتقر إلى أشياء كثيرة، وأنه محتاج إلى توجيه وإرشاد مهما بلغ من الرتبة والشرف الدنيوي، ومن الطبيعي أن يكون الإنسان ضيق الأفق مهما علا وارتفع في علمه ومعرفته، والوحيد الذي يعلم كل شيء هو خالق الوجود، وهو قد وفر للإنسان فضاء الحصول على علوم متناهية ومعارف عالية جداً تخدمه وتخدم فيما يسعى إليه من التنمية وجعل مفتاحه (التقوى).